اسم واحد. وقرئ : تسعة أعشر ، جمع عشير ، مثل : يمين وأيمن. جعلهم ملائكة لأنهم خلاف جنس المعذبين من الجن والإنس ، فلا يأخذهم ما يأخذ المجانس من الرأفة والرقة ، ولا يستروحون إليهم ، ولأنهم أقوم خلق الله بحق الله وبالغضب له ، فتؤمن هوادتهم ، ولأنهم أشد الخلق بأسا وأقواهم بطشا. عن عمرو بن دينار : واحد منهم يدفع بالدفعة الواحدة في جهنم أكثر من ربيعة ومضر. وعن النبي صلى الله عليه وسلم. «كأن أعينهم البرق ، وكأن أفواههم الصياصي ، (١) يجرون أشعارهم ، لأحدهم مثل قوّة الثقلين ، يسوق أحدهم الأمة وعلى رقبته جبل فيرمى بهم في النار ويرمى بالجبل عليهم» (٢). وروى أنه لما نزلت (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) قال أبو جهل لقريش. ثكلتكم أمهاتكم ، أسمع ابن أبى كبشة يخبركم أنّ خزنة النار تسعة عشر وأنتم الدهم ، أيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل منهم ، فقال أبو الأشد بن أسيد بن كلدة الجمحي وكان شديد البطش. أنا أكفيكم سبعة عشر ، فاكفوني أنتم اثنين ، فأنزل الله (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً) أى ما جعلناهم رجالا من جنسكم يطاقون. فإن قلت : قد جعل افتنان الكافرين بعدة الزبانية سببا لاستيقان أهل الكتاب وزيادة إيمان المؤمنين واستهزاء الكافرين والمنافقين ، (٣) فما وجه صحة ذلك؟ قلت. ما جعل افتتانهم بالعدة سببا لذلك ، وإنما العدة نفسها هي التي جعلت سببا ، وذلك أن المراد بقوله (وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) وما جعلنا عدتهم إلا تسعة عشر ، فوضع (فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) موضع (تِسْعَةَ عَشَرَ) لأن حال هذه العدة الناقصة واحدا من عقد العشرين. أن يفتتن بها من لا يؤمن بالله وبحكمته ويعترض ويستهزئ ، ولا يذعن إذعان المؤمن ، وإن خفى عليه وجه الحكمة ، كأنه قيل. ولقد جعلنا عدتهم عدة من شأنها أن يفتتن بها ، لأجل استيقان المؤمنين وحيرة الكافرين واستيقان
__________________
(١) قوله «الصياصي» هي الحصون ، واحدها صيصية. أفاده الصحاح. (ع)
(٢) لم أجده.
(٣) قال محمود : «إن قلت قد جعل افتتان الكافرين بعدة الزبانية سببا ... الخ» قال أحمد : ما جعل افتتانهم بالعدة سببا لذلك ، وإنما العدة نفسها هي التي جعلت سببا ، لأن المراد : وما جعلنا عدتهم إلا تسعة عشر ، فوضع (فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) موضع ذلك ، لأن حال هذه العدة الناقصة واحدا من العشرين : أن يفتتن بها من لا يؤمن بالله وبحكمته ولا يذعن ، وإن خفى عليه وجه الحكمة كأنه قيل : لقد جعلنا عدتهم عدة من شأنها أن يفتتن بها لأجل استيقان المؤمنين وحيرة الكافرين واستيقان أهل الكتاب. قال أحمد : السائل جعل الفتنة التي هي في تقدير الصفة العدة ، إذ معنى الكلام ذات فتنة سببا فيما بعدها ، والمجيب جعل العدة التي عرضت لها هذه الصفة سببا لا باعتبار عروض الصفة لها. ويجوز أن يكون (لِيَسْتَيْقِنَ) راجعا إلى ما قبل الاستثناء ، كأنه قيل : جعلنا عدتهم سببا لفتنة الكافرين وسببا ليقين المؤمنين ، وهذا الوجه أقرب مما ذكره الزمخشري ، وإنما ألجأه إليه اعتقاد أن الله تعالى ما فتنهم ولكنهم فتنوا أنفسهم ، بناء على قاعدة التبعيض في المشيئة وبئست القاعدة فاحذرها.