قال الأعشى :
كأنّ القر نفل والزّنجبيل |
|
باتا بفيها وأريا مشورا (١) |
وقال المسيب بن علس (٢)
وكأنّ طعم الزّنجبيل به |
|
إذ ذقته وسلافة الخمر (٣) |
و (سَلْسَبِيلاً) لسلاسة انحدارها في الحلق وسهولة مساغها ، يعنى : أنها في طعم الزنجبيل وليس فيها لذعه ، ولكن نقيض اللذع وهو السلاسة. يقال : شراب سلسل وسلسال وسلسبيل ، وقد زيدت الباء في التركيب حتى صارت الكلمة خماسية. ودلت على غاية السلاسة. قال الزجاج : السلسبيل في اللغة : صفة لما كان في غاية السلاسة. وقرئ : سلسبيل ، على منع الصرف ، لاجتماع العلمية والتأنيث ، وقد عزوا إلى على بن أبى طالب رضى الله عنه أن معناه سل سبيلا إليها ، وهذا غير مستقيم على ظاهره. إلا أن يراد أن جملة قول القائل : سل سبيلا ، جعلت علما للعين ، كما قيل : تأبط شرا ، وذرّى حبا ، وسميت بذلك لأنه لا يشرب منها إلا من سأل إليها سبيلا بالعمل الصالح ، وهو مع استقامته في العربية تكلف وابتداع ، وعزوه إلى مثل على رضى الله عنه أبدع. وفي شعر بعض المحدثين :
سل سبيلا فيها إلى راحة النّفس |
|
براح كأنّها سلسبيل (٤) |
و (عَيْناً) بدل من (زَنْجَبِيلاً) وقيل : تمزج كأسهم بالزنجبيل بعينه. أو يخلق الله طعمه فيها. و (عَيْناً) على هذا القول : مبدلة من (كَأْساً) كأنه قيل : ويسقون فيها كأسا كأس عين. أو منصوبة على الاختصاص. شبهوا في حسنهم وصفاء ألوانهم وانبثاثهم في مجالسهم ومنازلهم باللؤلؤ المنثور
__________________
(١) للأعشى ، شبه رائحة فمها وطعمه بالقرنفل والزنجبيل ، لأن العرب تستطبيهما وتستلذهما ، وشبه طعم ريقها بطعم الأرى : وهو العسل. والمشور : اسم مفعول ، من شاره شورا إذا جناه. والشور : موضع تعسل فيه النحل.
(٢) قوله «المسيب بن علس» العلس في الأصل : القراد الضخم. وبه سمى الرجل ، كذا في الصحاح. (ع)
(٣) للمسيب بن علس ، وإجراء التشبيه هنا في طعم الزنجبيل يفيد أنه في البيت السابق كذلك ، وضمير به للفم وإذ ذقته : أى حين ذقت ريقه ، فهو مجاز ، وسلافة الخمر : أول ما يعصر من العنب ويتخمر ، وتشبه طعم الريق بهما في مطلق الاستلذاذ لا يفيد أن فيه حرافة كما فيهما. وسلافة : عطف على طعم. ويجوز أن ضمير «به» للريق وهو المذوق ، ومعنى كون السلافة به : أنها ممزوجة فيه.
(٤) اطلب طريقا فيها إلى راحة نفسك ، براح : أى بخمر. والسلسبيل والسلسال والسلسل : عين في الجنة سهلة الانحدار في الحلق ، سلسة المساغ. وزيدت الباء مبالغة في الدلالة على السلاسة والسهولة. وشبه الخمر بها لما هو معلوم وثابت بين الناس أن شراب الجنة أعلى الشراب.