علمك الله ، وكرر ذلك وهو لا يعلم تشاغله بالقوم ، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعه لكلامه ، وعبس وأعرض عنه ، فنزلت ؛ فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرمه ويقول إذا رآه : مرحبا بمن عاتبني فيه ربى ، ويقول له : هل لك من حاجة؟ واستخلفه على المدينة مرتين ، وقال أنس : رأيته يوم القادسية وعليه درع وله راية سوداء (١). وقرئ : عبس ، بالتشديد للمبالغة ؛ ونحوه : كلح في كلح (أَنْ جاءَهُ) منصوب بتولي ، أو بعبس ، على اختلاف المذهبين. ومعناه : عبس ، لأن جاءه الأعمى. أو أعرض لذلك. وقرئ : آ أن جاءه بهمزتين وبألف بينهما ، ووقف على (عَبَسَ وَتَوَلَّى) ثم ابتدئ ، على معنى : ألأن جاءه الأعمى فعل ذلك إنكارا عليه. وروى أنه ما عبس بعدها في وجه فقير قط ، ولا تصدى لغنى. وفي الإخبار عما فرط منه ، ثم الإقبال عليه بالخطاب : دليل على زيادة الإنكار ، كمن يشكو إلى الناس جانبا جنى عليه ، تم يقبل على الجاني إذا حمى في الشكاية مواجها له بالتوبيخ وإلزام الحجة. وفي ذكر الأعمى نحو من ذلك ، كأنه يقول : قد استحق عنده العبوس والإعراض لأنه أعمى ، وكان يجب أن يزيده لعماه تعطفا وترؤفا وتقريبا وترحيبا ، ولقد تأدّب الناس بأدب الله في هذا تأدبا حسنا ، فقد روى عن سفيان الثوري رحمه الله أنّ الفقراء كانوا في مجلسه أمراء (وَما يُدْرِيكَ) وأى شيء يجعلك داريا بحال هذا الأعمى؟ (لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) أى يتطهر بما يتلقن من الشرائع من بعض أوضار الإثم (أَوْ يَذَّكَّرُ) أو يتعظ (فَتَنْفَعَهُ) ذكراك ، أى : موعظتك ، وتكون له لطفا في بعض الطاعات. والمعنى : أنك لا تدرى ما هو مترقب منه ، من تزكّ أو تذكر ، ولو دريت لما فرط ذلك منك. وقيل : الضمير في (لَعَلَّهُ) للكافر. يعنى أنك طمعت في أن يتزكى بالإسلام ، أو يتذكر فتقرّبه الذكرى إلى قبول الحق ، وما يدريك أن ما طمعت فيه كائن. وقرئ : فتنفعه ، بالرفع عطفا على يذكر. وبالنصب جوابا للعلّ ، كقوله (فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى) ، (تَصَدَّى) تتعرض بالإقبال عليه ، والمصاداة. المعارضة ، وقرئ : تصدى ، بالتشديد ، بإدغام
__________________
ـ والحاكم من حديث عائشة رضى الله عنها نحوه «تنبيه» النسب الذي ساقه في غاية التخليط ، يظهر لمن له أدنى إلمام بالأخبار والأنساب. قال ابن سعد : أما أهل المدينة فيقولون اسمه عبد الله. وأما أهل العراق وهشام الكلبي فيقولون اسمه عمرو ثم أجمعوا على نسبه. فقالوا : ابن قيس بن زياد بن الأصم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص ابن عامر بن لؤي. وأمه عاتكة هي أم مكتوم بنت عبد الله بن عامر بن مخزوم. وقال ابن سعد : أخبرنا يزيد بن هارون. أخبرنا جويبر عن الضحاك. قال «كان النبي صلى الله عليه وسلم تصدى لرجل من قريش يدعوه إلى الإسلام فأقبل عبد الله بن أم مكتوم الأعمى ، فجعل يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعرض عنه ويعبس في وجهه ، ويقبل على الآخر. فعاتب الله رسوله فقال (عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى) ـ الآيات فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكرمه واستخلفه على المدينة مرتين».
(١) أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة. أخبرنى أنس بهذا وكذا رواه أبو يعلى والطبري من رواية قتادة عن أنس رضى الله عنه.