فاستعير لثبات العز والملك واستقامة الأمر ، كما قال الأسود :
في ظل ملك ثابت الأوتاد (١)
وقيل : كان يشبح (٢) المعذب بين أربع سوار : كل طرف من أطرافه إلى سارية مضروب فيه وتد من حديد ، ويتركه حتى يموت. وقيل : كان يمدّه بين أربعة أوتاد في الأرض ويرسل عليه العقارب والحيات. وقيل : كانت له أوتاد وحبال يلعب بها بين يديه (أُولئِكَ الْأَحْزابُ) قصد بهذه لإشارة الإعلام بأنّ الأحزاب الذين جعل الجند المهزوم منهم هم هم ، وأنهم هم الذين وجد منهم التكذيب (٣). ولقد ذكر تكذيبهم أولا في الجملة الخبرية على وجه الإبهام ، ثم جاء بالجملة الاستثنائية فأوضحه فيها : بأنّ كل واحد من الأحزاب كذب جميع الرسل ، لأنهم إذا كذبوا واحدا منهم فقد كذبوهم جميعا. وفي تكرير التكذيب وإيضاحه بعد إبهامه ، والتنويع في تكريره بالجملة الخبرية أوّلا وبالاستثنائية ثانيا ، وما في الاستثنائية من الوضع على وجه التوكيد والتخصيص : أنواع من المبالغة المسجلة عليهم باستحقاق أشد العقاب وأبلغه ، ثم قال (فَحَقَّ عِقابِ) أى فوجب لذلك أن أعاقبهم حق عقابهم (هؤُلاءِ) أهل مكة. ويجوز أن يكون إشارة إلى جميع الأحزاب
__________________
(١) ما ذا أؤمل بعد آل محرق |
|
تركوا منازلهم وبعد أياد |
جرت الرياح على مقر ديارهم |
|
فكأنهم كانوا على ميعاد |
ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة |
|
في ظل ملك ثابت الأوتاد |
فإذا النعيم وكل ما يلهي به |
|
يوما يصير إلى بلى ونفاد |
للأسود بن يعفر. يقول : لا أتمنى شيئا بعدهم من الدنيا. ومحرق : هو امرؤ القيس بن عمرو بن عدى اللخمي. والاياد ـ في الأصل ـ : تراب يجمع حول الحوض والبيت ، يحفظه عن المطر والسيول ، من الأيدى : وهو القوة. وإياد : علم على ابن نزار بن معد ، فهو أخو مضر وربيعة. والمراد به هنا القبيلة. وروى : وآل إياد ، عطفا على آل محرق. وغنى بالمكان ، كرضى : أقام به. والبلى : الانمحاق. والنفاد : الفناء. يقول : تركوا منازلهم : جملة مستأنفة لبيان نفى التأميل ، واعتراضية بين المتعاطفين. وقوله «جرت الرياح» مستأنف لبيان حال القبيلتين ، يقول : تفانوا فجرت الرياح على محل ديارهم ، وجريان الرياح على مقر الديار ، لانهدام الجدران التي كانت تمنع الرياح ، وذلك كناية عن موتهم ، وأفاد أن فناءهم كان سريعا كأنه دفعة واحدة بقوله : فكأنهم كانوا على ميعاد واحد ، ولقد أقاموا بأرغد عيشة ، وشبه الملك الذي به عزهم وصونهم بخيمة مضروبة عليهم ، والظل : الترشيح ، والأوتاد تخييل. وإذا معناها المفاجأة. أى فظهر بغتة أن كل نعيم لا محالة زائل ، أى : فأدركهم المحاق والفناء.
(٢) قوله «وقيل كان يشبح المعذب» أى يمده ، أفاده الصحاح. (ع)
(٣) قال محمود : «قصد بهذه الاشارة الاعلام بأن الأحزاب الذين جعل الجند المهزوم منهم هم هم ، وأنهم الذين وجد التكذيب منهم» قال أحمد : وفي تكرار تكذيبهم فائدة أخرى : وهي أن الكلام لما طال بتعديد آحاد المكذبين ، ثم أريد ذكر ما حاق بهم من العذاب جزاء لتكذيبهم ، كرر ذلك مصحوبا بالزيادة المذكورة ، ليلي قوله تعالى (فَحَقَّ عِقابِ) على سبيل التطرية المعتادة عند طول الكلام وهو كما قدمته في قوله (وَكُذِّبَ مُوسى) حيث كرر الفعل ليقترن بقوله (فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ).