قرأ : الله أحد ، كان بعدل القرآن. وقرأ الأعمش : قل هو الله الواحد. وقرئ : أحد الله ، بغير تنوين : أسقط لملاقاته لام التعريف. ونحوه
ولا ذاكر الله إلّا قليلا (١)
والجيد هو التنوين ، وكسره لالتقاء الساكنين. و (الصَّمَدُ) فعل بمعنى مفعول ، من صمد إليه إذا قصده ، وهو السيد المصمود إليه في الحوائج. والمعنى : هو الله الذي تعرفونه وتقرّون بأنه خالق السماوات والأرض وخالقكم ، وهو واحد متوحد بالإلهية لا يشارك فيها ، وهو الذي يصمد إليه كل مخلوق لا يستغنون عنه ، وهو الغنى عنهم (لَمْ يَلِدْ) لأنه لا يجانس ، حتى تكون له من جنسه صاحبة فيتوالدا. وقد دل على هذا المعنى بقوله (أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ). (وَلَمْ يُولَدْ) لأنّ كل مولود محدث وجسم ، وهو قديم لا أوّل لوجوده وليس يجسم ولم يكافئه أحد ، أى : لم يماثله ولم يشاكله. ويجوز أن يكون من الكفاءة في النكاح ، نفيا للصاحبة : سألوه أن يصفه لهم ، فأوحى إليه ما يحتوى على صفاته ، فقوله (هُوَ اللهُ) إشارة لهم إلى من هو خالق الأشياء وفاطرها ، وفي طىّ ذلك وصفه بأنه قادر عالم ، لأن الخلق يستدعى القدرة والعلم ، لكونه واقعا على غاية إحكام واتساق وانتظام. وفي ذلك وصفه بأنه حى سميع بصير. وقوله (أَحَدٌ) وصف بالوحدانية ونفى الشركاء. وقوله (الصَّمَدُ) وصف بأنه ليس إلا محتاجا إليه ، وإذا لم يكن إلا محتاجا إليه : فهو غنى. وفي كونه غنيا مع كونه عالما : أنه عدل غير فاعل للقبائح (٢) ، لعلمه بقبح القبيح وعلمه بغناه عنه. وقوله (لَمْ يُولَدْ) وصف بالقدم والأوّلية. وقوله (لَمْ يَلِدْ) نفى للشبه والمجانسة. وقوله (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) تقرير لذلك وبت للحكم به : فإن قلت : الكلام العربي الفصيح أن يؤخر الظرف الذي هو لغو غير مستقر ولا يقدم ، وقد نص سيبويه على ذلك في كتابه (٣) ، فما باله مقدّما في أفصح كلام وأعربه؟ قلت هذا الكلام إنما سيق لنفى المكافأة عن ذات الباري سبحانه ، وهذا المعنى مصبه ومركزه هو هذا
__________________
(١) تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الأول صفحة ٤٤٨ فراجعه إن شئت اه مصححه.
(٢) قوله «إنه عدل غير فاعل للقبائح» هذا مذهب المعتزلة ، وذهب أهل السنة إلى أنه تعالى هو الخالق لجميع الأشياء خيرها وشرها قبيحها وحسنها. قال تعالى : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) وعلمه بقبح القبيح لا يمنعه من خلقه ، لأنه لحكمة وإن لم يعلمها غيره. (ع)
(٣) قال محمود : «إن قلت الكلام العربي الفصيح أن يؤخر الظرف وقد نص سيبويه على ذلك» قال أحمد : نقل سيبويه أنه سمع بعض الجفاة من العرب يقرأ : ولم يكن أحدا كفوا له ، وجرى هذا الجلف على عادته فجفا طبعه عن لطف المعنى الذي لأجله اقتضى تقديم الظرف مع الخبر على الاسم ، وذلك أن الغرض الذي سيقت له الآية نفى المكافأة والمساواة عن ذات الله تعالى ، فكان تقديم المكافأة المقصود بأن يسلب عنه أولى ، ثم لما قدمت لتسلب ذكر معها الظرف ليبين الذات المقدسة بسلب المكافأة ، والله أعلم.