فصل في نص اليمين
قال القرطبي (١) : «من قال : أقسم بالله ، وأشهد بالله ، أو أعزم بالله ، أو أحلف بالله ، أو أقسمت بالله ، أو شهدت ، أو عزمت ، أو حلفت ، وقال في ذلك كله : «بالله» فلا خلاف أنها يمين ، وكذلك عند مالك وأصحابه أن من قال : أقسم ، أو أشهد ، أو أعزم ، أو أحلف ، ولم يقل «بالله» إذا أراد «بالله» ، وإن لم يرد «بالله» فليس بيمين».
وقال أبو حنيفة وأصحابه : لو قال : أشهد بالله لقد كان كذا كان يمينا ، ولو قال : أشهد لقد كان كذا ـ دون النية ـ كان يمينا لهذه الآية ؛ لأن الله تعالى ذكر منهم الشهادة ثم قال : (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً).
وعند الشافعي : لا يكون ذلك يمينا وإن نوى اليمين ؛ لأنّ قوله تعالى : (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً) ليس يرجع إلى قوله : (قالُوا نَشْهَدُ) ، وإنما يرجع إلى ما في براءة من قوله تعالى : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا).
قوله : (فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ).
أي : أعرضوا ، وهو من الصّدود ، أو صرفوا المؤمنين عن إقامة حدود الله عليهم من القتل ، والسبي ، وأخذ الأموال ، فهو من الصّدّ ، أو منعوا الناس عن الجهاد بأن يتخلفوا أو يقتدي بهم غيرهم.
وقيل : فصدوا اليهود والمشركين عن الدّخول في الإسلام بأن يقولوا : ها نحن كافرون بهم ، ولو كان ما جاء به محمد حقّا لعرف هذا منا ، ولجعلنا نكالا ، فبيّن الله أنّ حالهم لا يخفى عليه ، ولكن حكمه أن من أشهر [الإيمان](٢) أجري عليه في الظّاهر حكم الإيمان.
قوله : (إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ).
أي : سيئت أعمالهم الخبيثة في نفاقهم ، وأيمانهم الكاذبة ، وصدّهم عن سبيل الله (٣). و «ساء» يجوز أن تكون الجارية مجرى «بئس» ، وأن تكون على بابها ، والأول أظهر وقد تقدم حكم كل منهما (٤).
فإن قيل : إنه تعالى ذكر أفعال الكفرة من قبل ، ولم يقل : إنّهم ساء ما كانوا يعملون؟.
قال ابن الخطيب (٥) : والجواب أن أفعالهم مقرونة بالأيمان الكاذبة التي جعلوها
__________________
(١) السابق ١٨ / ٨١.
(٢) في أ : الإسلام.
(٣) ينظر : القرطبي ١٨ / ٨١.
(٤) ينظر : الدر المصون ٦ / ٣٢٠.
(٥) التفسير الكبير ٣٠ / ١٣.