قوله : (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ).
فيه وجهان (١) :
أظهرهما : أن «عليهم» هو المفعول الثاني للحسبان ، أي واقعة وكائنة عليهم ويكون قوله: (هُمُ الْعَدُوُّ) جملة مستأنفة ، أخبر الله عنهم بذلك.
والثاني : أن يكون «عليهم» متعلقا ب «صيحة» و (هُمُ الْعَدُوُّ) جملة في موضع المفعول الثاني للحسبان.
قال الزمخشري (٢) : «ويجوز أن يكون (هُمُ الْعَدُوُّ) هو المفعول الثّاني كما لو طرحت الضمير.
فإن قلت : فحقه أن يقال : هي العدوّ ، قلت : منظور فيه إلى الخبر كما في قوله : (هذا رَبِّي) [الأنعام : ٧٧] ، وأن يقدر مضاف محذوف أي : يحسبون كل أهل صيحة» انتهى.
وفي الثاني بعد بعيد.
فصل
وصفهم الله تعالى بالجبن والخور.
قال مقاتل والسدي : إذا نادى مناد في العسكر أن انفلتت دابة ، أو أنشدت ضالّة ظنوا أنهم هم المرادون ، لما في قلوبهم من الرعب (٣).
كما قال الأخطل : [الكامل]
٤٧٧٣ ـ ما زلت تحسب كلّ شيء بعدهم |
|
خيلا تكرّ عليهم ورجالا (٤) |
وقيل : (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ) ، أنهم قد فطن بهم وعلم بنفاقهم ؛ لأن للريبة خوفا ، استأنف الله خطاب نبيه ـ عليه الصلاة والسلام ـ فقال : (هُمُ الْعَدُوُّ) وهذا معنى قول الضحاك (٥).
وقيل : يحسبون كلّ صيحة يسمعونها في المسجد أنها عليهم ، وأن النبي صلىاللهعليهوسلم قد أمر فيها بقتلهم ، فهم أبدا وجلون من أن ينزل الله فيهم أمرا يبيح به دماءهم ، ويهتك به أستارهم ، ثم وصفهم الله بقوله (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ) حكاه عبد الرحمن بن أبي حاتم (٦)
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٦ / ٣٢٠ ، ٣٢١.
(٢) الكشاف ٤ / ٥٤١.
(٣) ينظر : القرطبي ١٨ / ٨٢.
(٤) غير موجود في ديوان الأخطل وإنما هو لجرير بن عطية.
ينظر شرح ديوان جرير ص ٥٤٣ ، وكذا نسبه أبو حيان في البحر ٨ / ٢٦٨ ونسبه الزمخشري والقرطبي إلى الأخطل ينظر الكشاف ٤ / ١٠٩ ، وشرح شواهده ص ٥٠٥ ، والقرطبي ١٨ / ٨٢.
(٥) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٨ / ٨٢).
(٦) ينظر تفسير ابن أبي حاتم مخطوط.