[فإن قيل : لم قدم العلم بالإخفاء على العلم بالإعلان مع أن ذلك مستلزم لهذا من غير عكس؟.
فالجواب (١) هذا بالنسبة إلى علمنا ، لا بالنسبة إلى علمه ـ تعالى ـ إذ هما سيّان في علمه تعالى ؛ لأن المقصود بيان ما هو الإخفاء ، وهو الكفر ، فيكون مقدما.
فإن قيل : لم لم يقل : بما أسررتم ، ثم وما أعلنتم ، مع أنه أليق بما سبق في قوله : «تسرّون»؟ فالجواب : أن فيه من المبالغة ما ليس في ذلك ، فإنّ الإخفاء أبلغ من الإسرار بدليل قوله : (يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) [طه : ٧] ، أي : أخفى من السّر](٢).
فصل في معاتبة حاطب
قال القرطبي (٣) : وهذا كله معاتبة لحاطب ، وهو يدل على فضله وكرامته ، ونصيحته للرسول صلىاللهعليهوسلم وصدق إيمانه ؛ فإن المعاتبة لا تكون إلا من محبّ لحبيب ؛ كما قال : [الوافر]
٤٧٦٠ ـ إذا ذهب العتاب فليس ودّ |
|
ويبقى الودّ ما بقي العتاب (٤) |
فصل في المراد بالمودة
والمراد بالمودّة في الآية النصيحة.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : وأنا أعلم بما أخفيتم في صدوركم ، وما أظهرتم بألسنتكم من الإقرار والتوحيد (٥).
(وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ) أي : من يسر إليهم ويكاتبهم (فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) أيّ: أخطأ طريق الهدى (٦).
قوله : (وَمَنْ يَفْعَلْهُ). في الضمير وجهان (٧) :
أظهرهما : أنه يعود على الإسرار ؛ لأنه أقرب مذكور.
والثاني : يعود على الاتّخاذ. قاله ابن عطية (٨).
قوله : (سَواءَ السَّبِيلِ).
يجوز أن يكون منصوبا على الظرف ، إن قلنا : ضلّ قاصر.
وأن يكون مفعولا به ، إن قلنا : هو متعد (٩).
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٢٩ / ٢٥٩.
(٢) سقط من أ.
(٣) الجامع لأحكام القرآن ١٨ / ٣٧.
(٤) ينظر اللسان (عتب) ، والقرطبي ١٨ / ٣٧.
(٥) ينظر : تفسير القرطبي (١٨ / ٣٦).
(٦) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ١٨ / ٣٧.
(٧) ينظر : الدر المصون ٦ / ٣٠٢.
(٨) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٢٩٤.
(٩) ينظر : الدر المصون ٦ / ٣٠٢.