الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ)(٨)
قوله : (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا).
قد تقدم سبب النزول ، وأن ابن أبي قال : لا تنفقوا على من عند محمد (حَتَّى يَنْفَضُّوا) أي يتفرقوا عنه ، فأعلمهم الله سبحانه وتعالى أن خزائن السماوات والأرض له ينفق كيف يشاء(١).
قال رجل لحاتم الأصم : من أين تأكل؟ فقال : (وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).
وقال الحسن : (خَزائِنُ السَّماواتِ) الغيوب ، وخزائن الأرض القلوب ، فهو علّام الغيوب ومقلب القلوب (٢).
قوله : (يَنْفَضُّوا).
قرأ العامّة : «ينفضّوا» من الانفضاض وهو التفرق.
وقرأ الفضل بن عيسى (٣) الرقاشي : «ينفضوا» من أنفض القوم ، فني زادهم.
ويقال : نفض الرجل وعاءه من الزاد فانفضّ.
فيتعدى دون الهمزة ولا يتعدى معها ، فهو من باب «كببته فانكبّ».
قال الزمخشري (٤) : وحقيقته جاز لهم أن ينفضوا مزاودهم.
ثم قال تعالى : (وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ) أنه إذا أراد أمرا يسره (٥).
قوله : (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ).
القائل ابن أبيّ ، كما تقدم.
وقيل : إنه لما قال : (لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ) ورجع إلى المدينة لم يلبث إلا أياما يسيرة حتى مات ، فاستغفر له رسول الله صلىاللهعليهوسلم وألبسه قميصه ، فنزل قوله : (لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ).
وروي أن عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول قال لأبيه : والله الذي لا إله إلا هو لا تدخل المدينة حتى تقول : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم هو الأعزّ وأنا الأذلّ ، فقاله.
توهموا أن العزة لكثرة الأموال والأتباع فبيّن الله ـ تعالى ـ أنّ العزّة والمنعة والقوّة لله (٦).
__________________
(١) ينظر : القرطبي ١٨ / ٨٤.
(٢) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٨ / ٨٤).
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٣١٤ ، والبحر المحيط ٨ / ٢٧٠ ، والدر المصون ٦ / ٣٢٢.
(٤) ينظر : الكشاف ٤ / ٥٤٣.
(٥) ينظر : القرطبي ١٨ / ٨٤.
(٦) ينظر السابق.