[فإن قيل : ما الفائدة في قوله «منكم» ، ومن المعلوم أن من فعل هذا ، فقد ضل سواء السبيل؟.
فالجواب (١) : إن كان المراد من قوله : «منكم» هم المؤمنون فظاهر ، لأن من يفعل ذلك لا يلزم أن يكون مؤمنا](٢).
قوله تعالى : (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ)(٢)
قوله : (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ) يلقونكم ويصادفونكم ، ومنه المثاقفة ، أي : طلب مصادفة [الغرة](٣) في المسايفة وشبهها.
وقيل : «يثقفوكم» : يظفروا بكم ويتمكنوا منكم (يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ) أي : بالضّرب والشّتم (٤).
قوله : (وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ).
في «ودوا» وجهان (٥) :
أحدهما : أنه معطوف على جواب الشرط ، وهو قوله : «يكونوا» و «يبسطوا» قاله الزمخشري (٦).
ثم رتب عليه سؤالا وجوابا ، فقال : «فإن قلت : كيف أورد جواب الشّرط مضارعا مثله ، ثم قال : «ودوا» بلفظ الماضي؟.
قلت : الماضي وإن كان يجري في باب الشرط مجرى المضارع في علم الإعراب ، فإن فيه نكتة ، كأنه قيل : ودوا قبل كل شيء كفركم وارتدادكم ، يعني أنهم يريدون أن يلحقوا مضار الدنيا والآخرة جميعا».
والثاني : أنه معطوف على جملة الشّرط والجزاء ، ويكون تعالى قد أخبر بخبرين بما تضمنته الجملة الشرطية ، وموادتهم كفر المؤمنين.
ورجح أبو حيان هذا ، وأسقط به سؤال الزمخشري وجوابه ، فقال (٧) : «وكأن الزمخشري فهم من قوله : «وودّوا» أنه معطوف على جواب الشرط ، والذي يظهر أنه ليس معطوفا عليه ؛ لأن ودادتهم كفرهم ليست مرتبة على الظفر بهم والتسليط عليهم ، بل هم
__________________
(١) ينظر : التفسير الكبير ٢٩ / ٢٥٩.
(٢) سقط من أ.
(٣) في أ : العشيرة.
(٤) ينظر : القرطبي ١٨ / ٣٧.
(٥) ينظر : الدر المصون ٦ / ٣٠٣.
(٦) ينظر : الكشاف ٤ / ٥١٣.
(٧) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٢٥١ ، والدر المصون ٦ / ٣٠٣.