كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣) يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٤)
قوله تعالى : (يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ). تقدم نظيره.
قال ابن الخطيب (١) : وجه تعلق هذه السورة بما قبلها ، هو أن تلك السورة للمنافقين الكاذبين ، وهذه السورة للموافقين الصادقين ، وأيضا فإن تلك السورة مشتملة على ذكر النفاق سرّا وعلانية ، وهذه السورة مشتملة على التهديد البالغ لهم عن ذلك ، وهو قوله تعالى : (وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) ، وأما تعلق هذه السورة بآخر التي قبلها فلأن في آخر تلك السورة التنبيه على الذكر والشكر كما تقدم ، وفي أول هذه السورة أشار إلى أن في الناس أقواما يواظبون على الذّكر والشكر دائما وهم الذين يسبّحون ، كما قال تعالى : (يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ).
قوله : (لَهُ الْمُلْكُ).
مبتدأ وخبر ، وقدم الخبر ليفيد اختصاص الملك والحمد لله تعالى ، إذ الملك والحمد له ـ تعالى ـ حقيقة (٢)(وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
قوله : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ).
قال ابن عباس رضي الله عنهما : إن الله خلق بني آدم مؤمنا وكافرا ، ويعيدهم في يوم القيامة مؤمنا وكافرا (٣).
وروى أبو سعيد الخدري قال : خطبنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عشية فذكر شيئا مما يكون ، فقال : «يولد النّاس على طبقات شتّى : يولد الرّجل مؤمنا ويعيش مؤمنا ويموت مؤمنا ويولد الرّجل كافرا ويعيش كافرا ويموت كافرا ، ويولد الرّجل مؤمنا ويعيش مؤمنا ويموت كافرا ، ويولد الرّجل كافرا ويعيش كافرا ويموت مؤمنا» (٤).
وقال ابن مسعود : قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «خلق الله فرعون في بطن أمّه كافرا ، وخلق يحيى بن زكريّا في بطن أمّه مؤمنا» (٥).
__________________
(١) ينظر : التفسير الكبير (٣٠ / ١٩).
(٢) ينظر : الدر المصون (٦ / ٣٢٥).
(٣) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٨ / ٨٧) عن ابن عباس.
(٤) ذكره المتقي الهندي في «كنز العمال» (٣٢٤٣٨) من حديث ابن مسعود وله شاهد من حديث ابن عباس ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٣٤٣) وعزاه إلى ابن مردويه.
(٥) أخرجه الطبراني في «الكبير» (١٠ / ٢٧٦) وأبو نعيم في أخبار أصفهان (٢ / ١٩٠) وابن عدي في ـ