قوله : (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ).
قرأ العامة : بضم صاد «صوركم» ، وهو القياس في فعله.
وقرأ زيد (١) بن علي والأعمش ، وأبو رزين : بكسرها ، وليس بقياس وهو عكس لحى ـ بالضم ـ والقياس «لحى» بالكسر.
فصل
معنى «وصوّركم» يعني آدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ خلقه بيده كرامة له. قاله مقاتل.
وقيل : جميع الخلائق ، وقد مضى معنى التصوير ، وأنه التخطيط والتشكيل.
فإن قيل : كيف أحسن صوركم؟.
قيل (٢) : بأن جعلهم أحسن الحيوان كلّه وأبهاه صورة ، بدليل أن الإنسان لا يتمنى أن تكون صورته على خلاف ما يرى من سائر الصّور ، ومن حسن صورته أنه خلق منتصبا غير منكب كما قال ـ عزوجل ـ : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) كما يأتي إن شاء الله تعالى.
قال ابن الخطيب (٣) : فإن قيل : قد كان من أفراد هذا النوع من كان مشوه الخلقة سمج الصورة؟.
فالجواب : لا سماجة لأن الحسن في المعاني ، وهو على طبقات ومراتب ، فانحطاط بعض الصور عن مراتب ما فوقه لا يمنع حسنه ، فهو داخل في خير الحسن غير خارج عن حده. قوله (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ). أي : المرجع ، فيجازي كلّا بعمله (٤).
قال ابن الخطيب (٥) : فإن قيل : قوله تعالى : (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) يوهم الانتقال من جانب إلى جانب ، وذلك على الله تعالى محال؟.
فالجواب : أن ذلك الوهم بالنسبة إلينا وإلى زماننا لا بالنسبة إلى ما يكون في نفسه بمعزل عن حقيقة الانتقال إذا كان المنتقل منزها عن الجانب والجهة.
قوله : (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ). تقدم نظيره.
قال ابن الخطيب (٦) : إنه ـ تعالى ـ نبّه بعلمه ما في السماوات وما في الأرض ، ثم
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٣١٨ ، والبحر المحيط ٨ / ٢٧٣ ، والدر المصون ٦ / ٣٢٥.
(٢) ينظر : القرطبي ١٨ / ٨٨.
(٣) التفسير الكبير ٣٠ / ٢١.
(٤) الجامع لأحكام القرآن ١٨ / ٨٩.
(٥) التفسير الكبير ٣٠ / ٢١.
(٦) التفسير الكبير ٣٠ / ٢١.