وقد يأتي الواحد بمعنى الجمع ، فيكون اسما للجنس ، وقد يأتي الجمع بمعنى الواحد كقوله تعالى : (ما هذا بَشَراً) [يوسف : ٣١].
قوله : «فكفروا» أي : بهذا القول إذ قالوه استصغارا ، ولم يعلموا أن الله يبعث من يشاء إلى عباده (١).
فصل
فإن قيل : قوله «فكفروا» يفهم منه التولي ، فما الحاجة إلى ذكره؟ فالجواب : قال ابن الخطيب (٢) : إنهم كفروا وقالوا : (أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا) وهذا في معنى الإنكار والإعراض بالكلية ، وهذا هو التولي ، فكأنهم كفروا وقالوا قولا يدلّ على التولي ، فلهذا قال : (فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا).
وقيل (٣) : كفروا بالرسل وتولوا عن البرهان وأعرضوا عن الإيمان والموعظة.
قوله : (وَاسْتَغْنَى اللهُ) استغنى بمعنى المجرد.
وقال الزمخشري (٤) : «ظهر غناه» ، فالسين ليست للطلب.
قال مقاتل : استغنى الله ، أي : بسلطانه عن طاعة عباده (٥).
وقيل (٦) : استغنى الله ، أي : بما أظهره لهم من البرهان ، وأوضحه لهم من البيان عن زيادة تدعو إلى الرشد ، وتعود إلى الهداية (وَاللهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) غنيّ عن خلقه حميد في أفعاله.
فإن قيل : قوله : (وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللهُ) يوهم وجود التولّى والاستغناء معا ، والله تعالى لم يزل غنيّا؟.
فأجاب الزمخشري (٧) : بأن معناه أنه ظهر استغناء الله حيث لم يلجئهم إلى الإيمان ولم يضطرهم إليه مع قدرته على ذلك.
ثم أخبر عن إنكارهم للبعث فقال ـ عزوجل ـ :
(زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا) أي : ظنوا ، والزعم هو القول بالظن.
وقال الزمخشري (٨) : الزعم ادّعاء العلم ، ومنه قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «زعموا مطيّة الكذب» (٩).
__________________
(١) ينظر : القرطبي ١٨ / ٨٩.
(٢) التفسير الكبير ٣٠ / ٢٢.
(٣) الجامع لأحكام القرآن ١٨ / ٨٩.
(٤) الكشاف ٤ / ٥٤٧.
(٥) ذكره الماوردي (٦ / ٢١) والقرطبي (١٨ / ٨٩).
(٦) القرطبي ١٨ / ٨٩.
(٧) الكشاف ٤ / ٥٤٧.
(٨) ينظر السابق.
(٩) ذكره الحافظ في «تخريج أحاديث الكشاف» (٤ / ٥٤٨) وقال : لم أجده مرفوعا بهذا اللفظ.