والمغبون : من غبن في أهله ومنازله في الجنة ، ويظهر يومئذ غبن كلّ كافر بتركه الإيمان ، وغبن كل مؤمن بتقصيره في الإحسان وتضييعه الأيام (١).
قال الزجاج (٢) : ويغبن من ارتفعت منزلته في الجنة بالنسبة إلى من هو أعلى منزلة منه.
فإن قيل : فأيّ معاملة وقعت بينهما حتى يقع الغبن فيها؟.
فالجواب (٣) : هو تمثيل للغبن في الشّراء والبيع كقوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) [البقرة : ١٦] ، فلما ذكر أن الكفار اشتروا الضلالة بالهدى وما ربحوا في تجارتهم بل خسروا ، ذكر أيضا أنهم غبنوا ، وذلك أن أهل الجنة اشتروا الآخرة بترك الدنيا ، واشترى أهل النار الدنيا بترك الآخرة ، وهذا نوع مبادلة اتساعا ومجازا ، وقد فرق الله الخلق فريقين: فريقا للجنة وفريقا في السعير.
وقال الحسن وقتادة : بلغنا أن التغابن على ثلاثة أصناف :
رجل علم علما فضيعه ولم يعمل به فشقي به ، ورجل علم علما وعمل به فنجا به ، ورجل اكتسب مالا من وجوه يسأل عنها وشحّ عليه وفرط في طاعة ربه بسببه ، ولم يعمل فيه خيرا وتركه لوارث لا حساب عليه ، فعمل ذلك الوارث فيه بطاعة ربه ، ورجل كان له عبد ، فعمل العبد بطاعة ربه فسعد ، وعمل السيد بمعصية ربه فشقي (٤).
وروى القرطبي (٥) عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إنّ الله تعالى يقيم الرّجل والمرأة يوم القيامة بين يديه ، فيقول الله تعالى لهما : قولا ما أنتما بقائلين ، فيقول الرّجل : يا ربّ أوجبت نفقتها عليّ فتعسّفتها من حلال أو من حرام ، وهؤلاء الخصوم يطلبون ذلك ، ولم يبق لي ما أوفّي فتقول المرأة : يا ربّ ، وما عسى أن أقول ، اكتسبه حراما وأكلته حلالا ، وعصاك في مرضاتي ولم أرض له بذلك ، فبعدا له ومحقا (٦) ، فيقول الله تعالى : قد صدقت فيؤمر به إلى النّار ، ويؤمر بها إلى الجنّة فتطلع عليه من طبقات الجنّة ، فتقول له : غبنّاك غبنّاك ، سعدنا بما شقيت أنت ؛ فذلك يوم التّغابن» (٧).
فصل
استدلّ بعض العلماء بقوله تعالى : (ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ) على أنه لا يجوز الغبن في المعاملات الدنيوية ، لأن الله تعالى خصّ التغابن بيوم القيامة فقال : (ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ) ،
__________________
(١) ينظر : القرطبي ١٨ / ٩٠.
(٢) ينظر : معاني القرآن ١٨٠.
(٣) ينظر : القرطبي ١٨ / ٩٠.
(٤) السابق ١٨ / ٩١.
(٥) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٨ / ٩١).
(٦) في أ : سحقا.
(٧) ينظر : تفسير القرطبي (١٨ / ٩١).