فإن قيل : ما الحكمة في قوله تعالى (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) بعد قوله : (خالِدِينَ فِيها) وذلك بئس المصير؟.
والجواب : أن ذلك وإن كان في معناه فلا بد من التصريح [بما](١) يؤكده.
قوله تعالى : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١) وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٢) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)(١٣)
فصل
لما ذكر ما للمؤمنين ذكر ما للكفار فقال :
(ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) أي : بإرادته وقضائه.
وقال الفراء : يريد إلا بأمر الله.
وقيل : إلا بعلم الله.
وقيل (٢) : سبب نزول هذه الآية : أنّ الكفّار قالوا : لو كان ما عليه المسلمون حقّا لصانهم الله عن المصائب في الدنيا فبيّن الرب تعالى أن ما أصاب من مصيبة في نفس أو مال أو قول أو فعل يقتضي همّا أو يوجب عقابا آجلا أو عاجلا فبعلم الله وقضائه.
فإن قيل : بم يتصل قوله : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ)؟.
فالجواب (٣) : يتعلق بقوله : (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) كما أن من يؤمن بالله يصدق بأنه لا تصيبه مصيبة إلا بإذن الله.
قوله : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ) يصدق ويعلم أنه لا تصيبه مصيبة إلا بإذن الله (يَهْدِ قَلْبَهُ) للصبر والرضا.
وقيل : يثبته على الإيمان.
وقال أبو عثمان الجيزي : من صح إيمانه يهد الله قلبه لاتباع السنة.
وقيل : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) عند المصيبة فيقول : (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) [البقرة : ١٥٦]. قاله ابن جبير.
وقال ابن عباس : هو أن يجعل في قلبه اليقين ليعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه (٤).
__________________
(١) في أ : بالذي.
(٢) ينظر : القرطبي ١٨ / ٩٢.
(٣) ينظر : الرازي ٣٠ / ٢٤.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ١١٦) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٣٤٤) وزاد نسبته إلى ابن المنذر عن ابن عباس.