أي : هذه الأحكام المبينة أحكام الله على العباد ، وقد منع التجاوز عنها ، فمن تجاوزها فقد ظلم نفسه وأوردها مورد الهلاك (١).
قوله : (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً).
الأمر الذي يحدث الله أن يقلب قلبه من بغضها إلى محبتها ، ومن الرغبة عنها إلى الرغبة فيها ، ومن عزيمة الطلاق إلى الندم عليه فيراجعها.
وقال جميع المفسرين (٢) : أراد بالأمر هنا الرغبة في الرجعة ، ومعنى الكلام : التحريض على طلاق الواحدة والنهي عن الثلاث ، فإنه إذا طلق ثلاثا أضر بنفسه عند الندم على الفراق والرغبة في الارتجاع فلا يجد للرجعة سبيلا.
وقال مقاتل : (بَعْدَ ذلِكَ) أي بعد طلقة أو طلقتين «أمرا» أي : المراجعة من غير خلاف.
قوله : (لَعَلَّ اللهَ).
هذه الجملة مستأنفة ، لا تعلّق لها بما قبلها ، لأن النحاة لم يعدوها في المعلقات (٣).
وقد جعلها أبو حيّان مما ينبغي أن يعد فيهن (٤) ، وقرر ذلك في قوله : (وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ) [الأنبياء : ١١١].
فهناك يطلب تحريره (٥).
قوله تعالى : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً)(٣)
قوله : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَ).
قرأ العامة : «أجلهنّ» ؛ لأن الأجل من حيث هو واحد ، وإن اختلفت أنواعه بالنسبة إلى المعتدات.
والضحاك وابن سيرين (٦) : «آجالهنّ» جمع تكسير.
__________________
(١) ينظر : القرطبي ١٨ / ١٠٤.
(٢) السابق.
(٣) ينظر : الدر المصون ٦ / ٣٢٩.
(٤) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٢٧٨.
(٥) ينظر : تفسير سورة الأنبياء.
(٦) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٢٧٨ ، والدر المصون ٦ / ٣٢٩.