اعتبارا بأن أجل هذه غير أجل تلك.
فصل في معنى الآية
معنى قوله : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَ) أي : قاربن انقضاء العدة ، كقوله تعالى : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَ) [البقرة : ١٣١] أي : قربن من انقضاء الأجل (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) يعني المراجعة بالمعروف أي : بالرغبة من غير قصد المضارة في المراجعة تطويلا لعدتها كما تقدم في البقرة (أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) أي : اتركوهن حتّى تنقضي عدّتهن ، فيملكن أنفسهن (١).
وفي قوله : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَ) ما يوجب أن يكون القول قول المرأة في انقضاء عدتها إذا ادعت ذلك على ما تقدم في «البقرة» عند قوله تعالى : (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَ) [البقرة : ٢٢٨] الآية.
فصل
قال بعض العلماء في قوله تعالى : (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) [البقرة : ٢٣١] وقوله : (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) [البقرة : ٢٢٩] أن الزوج له حق في بدنه وذمته ، فكل من له دين في ذمة غيره سواء كان مالا ، أو منفعة من ثمن ، أو مثمن ، أو أجرة ، أو منفعة ، أو صداق ، أو نفقة ، أو بدل متلف ، أو ضمان مغصوب ، فعليه أن يؤدي ذلك الحق الواجب بإحسان ، وعلى صاحب الحق أن يتبع بإحسان كما قال تعالى في آية القصاص : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ) [البقرة: ١٧٨].
وكذلك الحق الثابت في بدنه مثل حق الاستمتاع والإجارة على عينه ونحو ذلك ، فالطالب يطلب بمعروف والمطلوب يؤدى بإحسان.
قوله : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ).
أمر بالإشهاد على الطلاق ، وقيل على الرجعة.
قال القرطبي (٢) : «والظاهر رجوعه إلى الرجعة لا إلى الطلاق ، فإن راجع من غير إشهاد ففي صحة الرجعة قولان.
وقيل : المعنى وأشهدوا عند الرجعة والفرقة جميعا وهذا الإشهاد مندوب إليه عند أبي حنيفة ، كقوله تعالى : (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ) [البقرة : ٢٨٢] ، وعند الشّافعي واجب في الرّجعة مندوب إليه في الفرقة ، وفائدة الإشهاد ألا يقع بينهما التجاحد ، وألّا
__________________
(١) ينظر : القرطبي ١٨ / ١٠٤.
(٢) السابق.