فالجواب (١) : أن الإيمان بالله وحده مستلزم للإيمان بالملائكة والكتب والرسل.
قوله : (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ) فيه أوجه (٢) :
أحدها : أنه استثناء متصل من قوله : «في إبراهيم» ولكن لا بد من حذف مضاف ليصح الكلام ، تقديره : في مقالات إبراهيم إلا قوله كيت وكيت.
الثاني : أنه مستثنى من (أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) وجاز ذلك ؛ لأن القول أيضا من جملة الأسوة ؛ لأن الأسوة الاقتداء بالشخص في أقواله وأفعاله ، فكأنه قيل : لكم فيه أسوة في جميع أحواله من قول وفعل إلا قوله كذا.
وهذا واضح ؛ لأنه غير محوج إلى تقدير مضاف وغير مخرج للاستثناء من الاتصال الذي هو أصله إلى الانقطاع ، ولذلك لم يذكر الزمخشري غيره.
قال (٣) : فإن قلت : ممّ استثني قوله : (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ)؟.
قلت : من قوله (أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) ؛ لأنه أراد بالأسوة الحسنة قولهم الذي حق عليهم أن يتأسّوا به ، ويتخذوه سنة يستنون بها.
فإن قلت : فإن كان قوله (لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) مستثنى من القول الذي هو (أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) فما
بال قوله : (وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) وهو غير حقيق بالاستثناء ، ألا ترى إلى قوله : (قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً) [الفتح : ١١].
قلت : أراد استثناء جملة قوله : «لأبيه» والقصد إلى موعد الاستغفار له ، وما بعده مبني عليه وتابع له ، كأنه قال : أنا أستغفر لك ، وما في طاقتي إلّا الاستغفار.
الثالث : قال ابن عطية (٤) : «ويحتمل أن يكون الاستثناء من التّبري والقطيعة التي ذكرت أي : لم تبق صلة إلا كذا ، والله أعلم».
الرابع : أنه استثناء منقطع ، أي : لكن قول إبراهيم.
وهذا بناء من قائليه على أنّ القول لم يندرج تحت قوله : «أسوة» ، وهو ممنوع.
فصل
قال القرطبي (٥) : معنى قوله : (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) أي : فلا تتأسّوا به في الاستغفار ، فتستغفرون للمشركين ، فإنه كان عن موعدة منه له.
قاله قتادة ومجاهد وغيرهما (٦).
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٢٩ / ٢٦١.
(٢) ينظر : الدر المصون ٦ / ٣٠٥.
(٣) ينظر : الكشاف ٤ / ٥١٤.
(٤) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٢٩٥.
(٥) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ١٨ / ٣٨.
(٦) ذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ٣٣٠) والقرطبي (١٨ / ٣٨).