فقد تعارض القرآن [والسّنة](١) وتواردا في شرعة واحدة.
قوله : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) من المال ، والمعنى لا يكلف الله الفقير مثل ما يكلف الغني (سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) أي : بعد الضيق غنى وبعد الشدة سعة.
فصل في اختلاف الزوجين في قبض النفقة
قال ابن تيمية : إذا اختلف الزوجان في قبض النفقة والكسوة ، فقال القاضي أبو يعلى وأتباعه : إن القول قول الزّوجة ، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي كما لو اختلف اثنان في قبض سائر الحقوق مثل الصّداق ، وثمن المبيع ونحو ذلك ، ومذهب مالك بخلاف ذلك.
وقال الغزالي : فيها وجهان ، وحسنوا قول الزوج.
قال ابن تيمية : وكذلك يجيء لأصحاب أحمد وجهان كما لو كان الصداق منفعة حصلت لها ، فقالت : حصلت من غيرك وقال : بل حصلت منّي مثل أن يصدقها تعليم قصيدة أو غيرها مما يجوز جعله صداقا فإنها إذا تعلمت من غيره كان عليه الأجرة ، فإن قال : أنا علمتها وقالت : بل غيره ، ففيها وجهان ، فهكذا في النّفقة ، فإنها لا بدّ أن تكون قد ارتزقت في الزمن الماضي ، وهو يقول : أنا رزقتها ، وهي تقول : بل غيره.
والصّواب المقطوع به أنه لا يقبل قولها في ذلك مطلقا ؛ فإن هذا فيه فساد عظيم على هذا القول في مذهب الشّافعي ، وقول أحمد الموافق له ولا يجيء ذلك على مذهب مالك ، ولا على مذهب أبي حنيفة ، وقول أحمد الموافق له ؛ فإنا إذا قلنا : إن نفقة الزوجة تسقط بمضي الزمان لم يقبل دعواها بالنفقة الماضية ، وإنما يجيء على قولنا إن نفقة الزوجة لا تسقط بمضي الزمان ، كما هو المشهور من مذهب أحمد ، وهو قول الشافعي.
والعمدة في ذلك الأمر المعروف عن عمر بن الخطاب ؛ قال ابن المنذر : إن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غلبوا عن نسائهم فأمرهم أن ينفقوا ، أو يطلقوا ؛ فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما مضى ، وليس قبول الزوجة في ذلك مأثورا عن أحمد ، ولا ملائما لأصوله ، فإنه في تداعي الزوجين وغيرهما يرجح من تشهد له اليد الحكمية العرفية دون اليد الحسية ، ومعلوم أن المدعى عليه يترجح تارة باليد في الأعيان وببراءة الذمة في الحقوق ، فكما أن في اليد لم يلتفت إلى مجرّد الحس ، بل يرجع إلى اليد الحكمية التي يستدلّ عليها بالأفعال والتصرفات ؛ إذ الأصل في الدعاوى ترجيح من الظّاهر معه. والظهور يستدلّ عليه
__________________
(١) سقط من أ.