فجعل الاعتبار بحال الزوج في اليسر والعسر ؛ ولأن الاعتبار بحالها يؤدي إلى الخصومة ؛ لأن الزوج يدعي أنها تطلب فوق كفايتها ، وهي تزعم أنها تطلب قدر كفايتها ، فقدرت قطعا للخصومة لهذه الآية ، ولقوله تعالى : (عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ).
وأجاب القرطبي : بأن هذه الآية لا تعطي أكثر من الفرق بين الغني والفقير ، وأنها تختلف بعسر الزوج ويسره ، فأما أنه لا اعتبار بحال الزوجة فليس فيها ، وقد قال تعالى : (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة : ٢٣٣] ، وذلك يقتضي تعلق المعروف في حقها ؛ لأنه لم يخص في ذلك واحدا منهما ، وليس من المعروف أن يكون كفاية الغنية مثل نفقة الفقيرة ، وقد قال عليه الصلاة والسلام لهند : «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف» ، فأحالها على الكفاية حين علم السعة من حال أبي سفيان.
قوله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً (٨) فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً (٩) أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (١٠) رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً)(١١)
قوله : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ).
لما ذكر الأحكام ذكر وحذّر مخالفة الأمر ، وذكر عتوّ القوم وحلول العذاب بهم ، وتقدم الكلام في «كأين» في «آل عمران».
قوله : (عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها).
ضمّن «عتت» معنى أعرض ، كأنه قيل : أعرضت بسبب عتوّها ، أي : عتت يعني القرية والمراد أهلها.
وقوله : (فَحاسَبْناها) إلى آخره. يعني في الآخرة ، وأتى به بلفظ الماضي لتحقّقه.
وقيل : العذاب في الدّنيا ، فيكون على حقيقته ، أي جازيناها بالعذاب في الدّنيا (وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً) في الآخرة وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ، أي : فعذبناها عذابا نكرا في الدنيا بالجوع والقحط والسّيف والخسف والمسخ وسائر المصائب ، وحاسبناها في الآخرة حسابا شديدا.
والنّكر : المنكر ، وقرىء مخففا ومثقلا. وقد مضى في سورة الكهف.
قوله : (فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها). أي : عاقبة كفرها (وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً) أي : هلاكا في الدنيا بما ذكرنا وفي الآخرة بجهنم.