قال القرطبي (١) : وقد روى الدارقطني عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أنه أتاه رجل فقال : إني جعلت امرأتي عليّ حراما ، فقال : كذبت ، ليست عليك بحرام ، ثم تلا : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ)؟ عليك أغلظ الكفّارات عتق رقبة (٢) ، وقد قال جماعة من المفسرين : إنه لما نزلت هذه الآية كفر عن يمينه بعتق رقبة ، وعاد إلى مارية صلىاللهعليهوسلم قاله زيد بن أسلم وغيره».
هذا كله في الزوجة ، وأما الأمة [فليس](٣) فيها شيء من ذلك إلّا أن ينوي العتق عند مالك ، وذهب عامة العلماء إلى أن عليهن كفّارة يمين.
قال ابن العربي (٤) : «والصحيح أنها طلقة واحدة ؛ لأنه لو ذكر الطلاق لكان أقله ، وهو الواحدة إلا أن يعدده ، فكذلك إذا ذكر التحريم يكون أقله إلا أن يقيده بالأكثر ، مثل أن يقول : أنت عليّ حرام إلا بعد زوج ، فهذا نص في المراد».
فصل في هذا الاستفهام
قال ابن الخطيب (٥) : قال صاحب «النظم» : قوله : (لِمَ تُحَرِّمُ) استفهام بمعنى الإنكار ، وذلك من الله نهي ، وتحريم الحلال مكروه ؛ لأن الحلال لا يحرم إلا بتحريم الله تعالى.
فإن قيل : قوله : (لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ) يوهم أن هذا الخطاب بطريق العتاب ، وخطاب النبي صلىاللهعليهوسلم ينافي ذلك لما فيه من التشريف والتعظيم؟.
فالجواب : أن هذا الخطاب ليس بطريق العتاب ، بل بطريق التنبيه على أن ما صدر منه لم يكن على ما ينبغي.
فإن قيل : تحريم ما أحلّ الله غير ممكن ، فكيف قال : لم تحرم ما أحل الله؟ فالجواب : أن المراد بهذا التحريم هو الامتناع من الانتفاع بالأزواج ؛ لاعتقاد كونه حراما بعد ما أحله الله تعالى ، فالنبي صلىاللهعليهوسلم امتنع عن الانتفاع بها مع اعتقاد كونها حلالا ؛ فإن من اعتقد أن هذا التحريم هو تحريم ما أحله الله ـ تعالى ـ فقد كفر ، فكيف يضاف إلى الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ مثل هذا؟.
قوله : (تَبْتَغِي).
__________________
(١) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ١٨ / ١٢٠.
(٢) أخرجه النسائي في «الكبرى» (٤٩٥٦) والدار قطني (٤ / ٤٣) من طريق سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
(٣) في أ : فلا يلزم.
(٤) ينظر : أحكام القرآن ٤ / ١٨٥٠.
(٥) ينظر : الفخر الرازي ٣٠ / ٣٨.