قال القرطبيّ (١) : «وليس قوله (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) جزاء للشرط ؛ لأن هذا الصغو كان سابقا ، فجواب الشرط محذوف للعلم به ، أي : إن تتوبا كان خيرا لكما ؛ إذ قد صغت قلوبكما».
والثاني : أن الجواب محذوف ، وتقديره : فذلك واجب عليكما ، أو فتاب الله عليكما قاله أبو البقاء (٢) ، ودلّ على المحذوف (فَقَدْ صَغَتْ) ؛ لأن إصغاء القلب إلى ذلك ذنب.
قال شهاب الدين (٣) : «وكأنه زعم أن ميل القلب ذنب ، وكيف يحسن أن يكون جوابا وقد غفل عن المعنى المصحح لكونه جوابا».
وقوله : (قُلُوبُكُما) من أفصح الكلام حيث أوقع الجمع موقع المثنى استثقالا لمجيء تثنيتين لو قيل : «قلباكما» ، ومن شأن العرب إذا ذكروا الشيئين من اثنين جمعوهما ؛ لأنه لا يشكل. وقد تقدم هذا في آية السرقة في المائدة (٤).
ومن مجيء التثنية قوله : [الكامل]
٤٧٨٦ ـ فتخالسا نفسيهما بنوافذ |
|
كنوافذ العبط الّتي لا ترقع (٥) |
والأحسن في هذا الباب الجمع ، ثم الإفراد ، ثم التثنية.
وقال ابن عصفور : لا يجوز الإفراد إلّا في ضرورة ؛ كقوله : [الطويل]
٤٧٨٧ ـ حمامة بطن الواديين ترنّمي |
|
سقاك من الغرّ الغوادي مطيرها (٦) |
وتبعه أبو حيان (٧) ، وغلط ابن مالك في كونه جعله أحسن من التثنية.
وليس بغلط لكراهة توالي تثنيتين مع أمن اللبس.
وقوله : «إن تتوبا» فيه التفات من الغيبة إلى الخطاب.
فصل في المراد بهذا الخطاب
المراد بهذا الخطاب أمّا المؤمنين بنتا الشيخين الكريمين : عائشة وحفصة ـ رضي الله عنهما ـ حثّهما على التوبة على ما كان منهما من الميل إلى خلاف محبة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) أي : زاغت ومالت عن الحق ، وهو أنهما أحبتا ما كره رسول الله صلىاللهعليهوسلم من اجتناب جاريته واجتناب العسل ، وكان صلىاللهعليهوسلم يحب العسل والنّساء.
__________________
(١) ينظر الجامع لأحكام القرآن ١٨ / ١٢٤.
(٢) ينظر : الإملاء ٢ / ١٢٢٩.
(٣) ينظر : الدر المصون ٦ / ٣٣٥.
(٤) آية رقم ٣٨.
(٥) تقدم.
(٦) تقدم.
(٧) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٢٨٦.