فحذفت الواو التي هي فاء في «يقي ، ويعد» لتعديهما ، ولم يحذف من «يوجل» لقصوره.
قال : «ويرد عليهم نحو : يرم ، فإنه قاصر ، ومع ذلك فقد حذفوا فاءه».
قال شهاب الدين (١) : وفي هذا نظر ؛ لأن «يوجل» لم تقع فيه الواو بين ياء وكسرة لا ظاهرة ولا مضمرة.
وقلت : ولا مضمرة ، تحرّزا من «تضع ، ويسع ، ويهب».
وقرأ بعضهم : «وأهلوكم» (٢).
وخرجت على العطف على الضّمير المرفوع ب «قوا» ، وجوز ذلك الفصل بالمفعول قال الزمخشريّ بعد ذكره القراءة وتخريجها : فإن قلت : أليس التقدير : «قوا أنفسكم وليق أهلوكم أنفسهم»؟.
قلت : لا ، ولكن المعطوف في التقدير مقارن للواو ، و «أنفسكم» واقع بعده ، كأنه قيل : قوا أنتم ، وأهلوكم أنفسكم ، لما جمعت مع المخاطب الغائب غلبته عليه ، فجعلت ضميرهما معا على لفظ المخاطب.
قوله : «نارا» مفعول ثان ، (وَقُودُهَا النَّاسُ) صفة ل «نارا» وكذلك (عَلَيْها مَلائِكَةٌ) ، ويجوز أن يكون الوصف وحده «عليها» ، و «ملائكة» فاعل به ، ويجوز أن يكون حالا لتخصيصها بالصفة الأولى ، وكذلك (لا يَعْصُونَ اللهَ).
وتقدم الخلاف في واو (وَقُودُهَا) [البقرة : ٢٤] ضمّا وفتحا في «البقرة».
فصل في معنى الآية
قال الضحاك (٣) : المعنى : قو أنفسكم ؛ وأهلوكم ، فليقوا أنفسهم نارا (٤).
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٦ / ٣٣٧.
(٢) ينظر : الكشاف ٤ / ٥٦٨.
قال الزمخشري في قوله تعالى (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً) : قرىء وأهلوكم. قال أحمد : ولكن المعطوف مقارن في التقدير للواو ، وأنفسكم واقع بعده ، كأنه قال : قوا أنتم وأهلوكم أنفسكم ، ولكن لما اجتمع ضمير المخاطب والغائبين : غلب ضمير الخطاب على ضمير الغيبة. ثم قال : فإن قلت قوله : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) أليس الجملتان في معنى واحد؟ وأجاب بأن معنى الأولى أنهم يلتزمون الأوامر ولا يأتونها ... الخ. قال أحمد : جوابه الأول مفرع على قاعدته الفاسدة في اعتقاد خلود الفساق في جهنم ؛ ولعله إنما أورد السؤال ليتكلف عنه بجواب ينفس عما في نفسه مما لا يطيق كتمانه من هذا الباطل نعوذ بالله منه ؛ وإلا فالسؤال غير وارد ؛ فإنه لا يمتنع أن المؤمن يحذر من عذاب الكافر أن يناله على الإيمان ، كقوله في آل عمران خطابا للمؤمنين (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ ، وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
وينظر : البحر المحيط ٨ / ٢٨٧ ، والدر المصون ٦ / ٣٣٧.
(٣) في أ : الصحابة رضي الله عنهم.
(٤) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ ج ٣٧٥) وعزاه إلى سعيد بن منصور وابن المنذر عن الضحاك.