قلت : لا ؛ لأن الأولى معناها : أنهم يقبلون أوامره ويلتزمونها.
والثانية : معناها أنهم يؤدّون ما يؤمرون به لا يتثاقلون عنه ، ولا يتوانون فيه».
وقال القرطبي (١) : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ) أي : لا يخالفونه في أمر من زيادة ، أو نقصان (وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) في وقته لا يقدمونه ، ولا يؤخرونه.
وقيل : أي : لذتهم في امتثال أمر الله ، كما أن سرور أهل الجنة في الكون في الجنة ، ذكره بعض المعتزلة ، وعندهم أنه يستحيل التكليف غدا ، ولا يخفى معتقد أهل الحقّ في أن الله يكلف العبد اليوم وغدا ، ولا ينكر التكليف غدا في حق الملائكة ، ولله أن يفعل ما يشاء.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(٧)
أي : فإن عذركم لا ينفع ، وهذا النهي لتحقيق اليأس (إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) في الدنيا ، ونظيره : (فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ) [الروم : ٥٧].
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(٨)
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً).
قرأ الجمهور : بفتح نون «نصوحا».
فهي صيغة مبالغة أسند النصح إليها مجازا ، وهي من : نصح الثوب ، أي : خاطه فكأن التائب يرقع ما حرقه بالمعصية.
وقيل : هي من قولهم : عسل ناصح ، أي : خالص.
وقرأ أبو بكر (٢) : بضم النون.
وهو مصدر «نصح» ، يقال : نصح نصحا ونصوحا ، نحو : كفر كفرا وكفورا ، وشكر شكرا وشكورا.
وفي انتصابه أوجه :
__________________
(١) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ١٨ / ١٢٨.
(٢) وقرأ بها خارجة عن نافع ، والحسن ، والأعرج ، وعيسى ، كما في : المحرر الوجيز ٥ / ٣٣٤ ، والبحر المحيط ٨ / ٢٨٨ ، والدر المصون ٦ / ٣٣٧.