وقيل : الخالصة. يقال : نصح له ، أي : أخلص له القول.
وقال الحسن : «النّصوح» أن يبغض الذنب الذي أحبه ، ويستغفر منه إذا ذكره (١).
وقيل : هي التي لا يثق بقبولها ، ويكون على وجل منها.
وقال الكلبيّ : التوبة النّصوح ، الندم بالقلب ، والاستغفار باللسان ، والإقلاع عن الذنب ، والعزم على ألّا يعود.
وقيل غير ذلك.
فصل في الأشياء التي يتاب منها
قال بعض العلماء : الذنب الذي لا يكون منه التوبة لا يخلو ، إما أن يكون حقا لله أو للآدميين ، فإن كان حقا لله عزوجل كترك صلاة ، أو صوم أو تفريط في زكاة ؛ فإن التوبة لا تصح منه حتى ينضم إلى الندم قضاء ما فات منها.
وإن كان قتل نفسا بغير حقّ ، فإن تمكن من القصاص منه إن طلب به ، فإن عفي عنه كفاه النّدم ، والعزم على ترك العود بالإخلاص ، وكذلك إن عفي عنه في القتل بمال فعليه أن يؤديه إن كان واجدا له ، قال تعالى : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ) [البقرة : ١٧٨].
وإن كان ذلك من حدود الله ـ ما كان ـ فإنه إذا تاب إلى الله ـ تعالى ـ بالندم الصحيح سقط منه ، وقد نصّ الله ـ تعالى ـ على سقوط الحد عن المحاربين إذا تابوا قبل القدرة عليهم ، كما تقدم.
وكذلك الشّرّاب ، والسّراق ، والزّناة إذا صلحوا ، وتابوا ، وعرف ذلك منهم ، ثم رفعوا إلى الإمام فلا ينبغي له أن يحدهم ، وإن رفعوا إليه فقالوا : تبنا لم يتركهم في هذه الحال كالمحاربين إذا غلبوا ، هذا مذهب الشافعي.
فإن كان الذنب من مظالم العباد ، فلا تصح التوبة منه إلا برده إلى صاحبه ، والخروج عنه ـ عينا كان أو غيره ـ إن كان قادرا عليه ، فإن لم يكن قادرا ، فالعزم أن يؤديه إذا قدر في أعجل وقت ، وأسرعه.
وإن كان لواحد من المسلمين ، وذلك الواحد لا يشعر به ، ولا يدري من أين أتى ، فإنه يزيل ذلك الضرر عنه ، ثم يسأله أن يعفو عنه ، ويستغفر له ، فإذا عفى ، فقد سقط الذنب عنه ، وإن أرسل من يسأل ذلك له ، فعفى ذلك المظلوم عن ظلمه عرفه بعينه ، أو لم يعرفه ، فذلك صحيح.
__________________
(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٣٧٦) وعزاه إلى عبد بن حميد.