فإن قيل : إنه ـ تعالى ـ لا يخزي النبي في ذلك اليوم ، ولا الذين آمنوا معه؟.
فالجواب (١) : لأن فيه إفادة الاجتماع ، بمعنى لا يخزي الله المجموع ، أي : الذين يسعى نورهم ، وفيه فائدة عظيمة ، إذ الاجتماع بين الذين آمنوا ، وبين نبيهم تشريف في حقهم وتعظيم.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)(٩)
أمره أن يجاهد الكفّار بالسيف ، والمواعظ الحسنة ، والدعاء إلى الله ، والمنافقين بالغلظة ، وإقامة الحجّة أن يعرفهم أحوالهم في الآخرة ، وأنه لا نور لهم يجوزون به على الصّراط مع المؤمنين.
وقال الحسن : أي : جاهدهم بإقامة الحدود عليهم ، فإنهم كانوا يرتكبون موجبات الحدود وكانت الحدود تقام عليهم (وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) يرجع إلى الصنفين (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) أي : المرجع (٢).
قال ابن الخطيب (٣) : وفي مخاطبة النبي صلىاللهعليهوسلم بقوله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُ) في أول السورة وفي هذه الآية ووصفه بالنبي لا باسمه ، كقوله لآدم : (يا آدَمُ) [البقرة : ٣٥] ، وموسى (يا مُوسى) [طه : ١١] ، ولعيسى (يا عِيسَى) [المائدة ١١٦] دليل على فضيلته عليهم.
فإن قيل : قوله (وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) يدل على أن مصيرهم بئس المصير ، فما فائدة ذلك؟ فالجواب : أن مصيرهم بئس المصير مطلقا ، والمطلق يدل على الدوام ، وغير المطلق لا يدل على الدوام.
قوله تعالى : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (١٠) وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١١) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ)(١٢)
ثم ضرب الله مثلا للصّالحات ، من النّساء ، فقال :
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٣٠ / ٤٣.
(٢) ذكره القرطبي في تفسيره (١٨ / ١٣١).
(٣) ينظر : الفخر الرازي ٣٠ / ٤٣.