قوله : (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). يدل على أن المعدوم شيء ؛ لأن قدرة الله لا تتعلق بالموجود ؛ لأن القدرة مؤثرة ، والعدم نفي محض ، فلا يكون أثرا لها ، فوجب أن يكون المعدوم شيئا.
فصل في أنه لا مؤثر إلا قدرة الله
احتج أهل السنة (١) بهذه الآية على أنه لا مؤثر إلا قدرة الله ، وأبطلوا القول بالطّبائع كقول الفلاسفة ، وأبطلوا القول بالمتولدات كقول المعتزلة ، وأبطلوا القول بكون العبد موجودا لأفعال نفسية ، لقوله : (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
فصل في وحدانية الله
دلّت هذه الآية على الوحدانية (٢) ؛ لأنا لو قدرنا إلها ثانيا ، فإما أن يقدر على إيجاد الشيء أولا ، فإن لم يقدر على إيجاد شيء لم يكن إلها ، وإن قدر كان مقدور ذلك الإله الثاني شيئا ، فيلزم كون ذلك للإله الأول لقوله (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فيلزم وقوع مخلوق من خالقين ، وهو محال ؛ لأنه إذا كان كل واحد منهما مستقلا بالإيجاد ، ويلزم أن يستغنى بكلّ واحد منهما عن كل واحد منهما ، فيكون محتاجا إليهما وغنيا عنهما وذلك محال.
فصل في الرد على جهم
احتج جهم بهذه الآية على أنه تعالى ليس بشيء ، فقال (٣) : لو كان شيئا لكان قادرا على نفسه لقوله تعالى : (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) لكن كونه قادرا على نفسه محال ، فيمتنع كونه شيئا.
والجواب : لما دلّ قوله تعالى : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ) [الأنعام : ١٠٩] على أنه ـ تعالى ـ شيء وجب تخصيص هذا العموم ، فإذن دلّت هذه الآية على أنّ العامّ المخصوص وارد في كتاب الله تعالى ، ودلت على أن تخصيص العام بدليل العقل جائز ، بل واقع.
قوله : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ).
قيل : خلق الموت في الدنيا ، والحياة في الآخرة ، وقدم الموت على الحياة ، لأن الموت إلى القهر أقرب ، كما قدم البنات على البنين فقال : (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً) [الشورى : ٩].
وقيل : قدمه ؛ لأنه أقدم ، لأن الأشياء في الابتداء كانت في حكم الموت كالنّطف والتراب ونحوه.
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٣٠ / ٤٧.
(٢) ينظر السابق.
(٣) ينظر السابق نفسه.