وقال قتادة : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إنّ الله تعالى أذلّ بني آدم بالموت ، وجعل الدّنيا دار حياة ثمّ دار موت ، وجعل الآخرة دار جزاء ، ثمّ دار بقاء» (١).
وعن أبي الدّرداء أن نبيّ الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لو لا ثلاث ما طأطأ ابن آدم رأسه : الفقر ، والمرض والموت» (٢).
وقيل : إنما قدم الموت على الحياة ؛ لأن من نصب الموت بين عينيه ، كان أقوى الدواعي له إلى العمل الصالح.
قال ابن الخطيب (٣) : قالوا : الحياة هي الصفة التي يكون الموصوف بها بحيث يصح أن يعلم ويقدر ، واختلفوا في الموت.
فقيل : إنه عبارة عن عدم هذه الصفة ، وقال أصحابنا : إنه صفة وجودية مضادة للحياة ، واحتجوا بقوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ) والعدم لا يكون مخلوقا ، وهذا هو التحقيق.
وروى الكلبي عن ابن عبّاس : أن الله ـ تعالى ـ خلق الموت في صورة كبش أملح لا يمر بشيء ، ولا يجد رائحته شيء إلّا مات ، وخلق الحياة في صورة فرس بلقاء فوق الحمار ودون البغل لا تمر بشيء ، ولا يجد رائحتها شيء إلا حيي (٤) على ما سيأتي.
قال ابن الخطيب (٥) : وهذا لا بد وأن يكون مقولا على سبيل التمثيل ، والتصوير ، وإلا فالتحقيق ما ذكرنا.
فصل في الموت والحياة
حكى ابن عباس ، والكلبي ومقاتل : أن الموت والحياة يجسمان ، فالموت في هيئة كبش لا يمر بشيء ، ولا يجد ريحه إلا مات ، وخلق الحياة على صورة فرس أنثى بلقاء وهي التي كان جبريل والأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ يركبونها ، خطوتها أمد البصر فوق الحمار ودون البغل ، لا تمر بشيء يجد ريحا إلا يحيى ، ولا تطأ على شيء إلا حيي (٦) ، وهي التي أخذ السّامري من أثرها ، فألقاها على العجل فحيي. حكاه الثعلبي والقشيري عن ابن عباس ، والماوردي (٧) معناه عن مقاتل والكلبي.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ١٦٤) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٣٨٢) وعزاه إلى عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٢) ينظر تفسير القرطبي (١٨ / ١٣٥.
(٣) ينظر : الفخر الرازي ٣٠ / ٤٨.
(٤) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٨ / ١٣٥.
(٥) ينظر الفخر الرازي ٣٠ / ٤٨.
(٦) ينظر تفسير القرطبي (١٨ / ١٣٥.
(٧) ينظر : النكت والعيون ٦ / ٥.