وعن مقاتل : (خَلَقَ الْمَوْتَ) يعني : النّطفة والعلقة والمضغة ، وخلق الحياة ، يعني خلق إنسانا ، ونفخ فيه الروح ، فصار إنسانا (١).
قال القرطبيّ (٢) : وهذا حسن ، يدل عليه قوله تعالى : (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً).
قوله : (لِيَبْلُوَكُمْ). متعلق ب «خلق».
وقوله : (أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) تقدم مثله في أول «هود» [الآية ٧].
وقال الزمخشريّ هنا (٣) : «فإن قلت : من أين تعلق قوله (أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) ، بفعل البلوى؟ قلت : من حيث إنه تضمن معنى العلم ، فكأنه قيل : ليعلمكم أيكم أحسن عملا ، وإذا قلت : علمته أزيد أحسن عملا أم هو؟ كانت هذه الجملة واقعة موقع الثّاني من مفعوليه كما تقول : علمته هو أحسن عملا ، فإن قلت : أتسمي هذا تعليقا؟.
قلت : لا ، إنما التعليق أن يقع بعده ما يسد مسدّ المفعولين جميعا ، كقولك : علمت أيهما عمرو ، وعلمت أزيد منطلق ، ألا ترى أنه لا فرق بعد سبق أحد المفعولين بين أن يقع ما بعده مصدرا بحرف الاستفهام وغير مصدر به ، ولو كان تعليقا لافترقت الحالتان كما افترقتا في قولك : علمت أزيد منطلق ، وعلمت زيدا منطلقا».
قال شهاب الدين (٤) : «وهذا الذي منع تسميته تعليقا سماه به غيره ويجعلون تلك الجملة في محل ذلك الاسم الذي يتعدى إليه ذلك الفعل ، فيقولون في : «عرفت أيّهم منطلق» : إن الجملة الاستفهامية في محل نصب على إسقاط الخافض ؛ لأن «نظر» يتعدى به».
فصل في اللام في قوله : ليبلوكم
قال الزّجّاج (٥) : اللام في «ليبلوكم» تتعلق بخلق الحياة ، لا بخلق الموت.
وقال الفراء والزجاج أيضا (٦) : لم تقع البلوى على «أي» لأن فيما بين البلوى و «أي» إضمار فعل كما تقول : «بلوتكم لأنظر أيكم أطوع» ، ومثله قوله تعالى : (سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ) [القلم : ٤٠] ، أي : سلهم ، ثم انظر أيهم فأيهم ، رفع بالابتداء ، والمعنى : ليبلوكم ليعلم ، أو فينظر أيكم أحسن عملا.
قال ابن الخطيب (٧) : «أيّكم» مبتدأ ، لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله.
__________________
(١) ينظر : تفسير القرطبي (١٨ / ١٣٥.
(٢) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ١٨ / ١٣٥.
(٣) ينظر : الكشاف ٤ / ٥٧٥.
(٤) ينظر : الدر المصون ٦ / ٣٤٠.
(٥) ينظر : معاني القرآن ٥ / ١٩٧.
(٦) ينظر السابق ، ومعاني القرآن للفراء ٣ / ١٦٩.
(٧) ينظر : الفخر الرازي ٣٠ / ٥٠.