فصل في الابتلاء
الابتلاء : هو التجربة ، والامتحان ، حتى يعلم أنه هل يطيع ، أو يعصي ، وذلك في حق العالم بجميع المعلومات محال ، وقد تقدم تحقيق هذه المسألة في قوله تعالى : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ) [البقرة : ١٢٤].
والحاصل أن الابتلاء من الله هو أن يعامل عبده معاملة تشبه المختبر.
فصل في تفسير الآية
قال السديّ في قوله تعالى : (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) أي : أكثر للموت ذكرا وأحسن استعدادا وأشد خوفا وحذرا (١).
وقال ابن عمر : تلا النبي صلىاللهعليهوسلم (تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) حتّى بلغ «أَيُّكُمْ (٢) أَحْسَنُ عَمَلاً» فقال : «أورع عن محارم الله ، وأسرع في طاعة الله» (٢).
وقيل : يعاملكم معاملة المختبر ، فيبلو العبد بموت من يعز عليه ليبين صبره ، وبالحياة ليبين شكره.
وقيل : خلق الله الموت للبعث ، والجزاء ، وخلق الحياة للابتلاء (وَهُوَ الْعَزِيزُ) في انتقامه ممن عصاه «الغفور» لمن تاب.
فصل فيمن قالوا : إن فعل الله يكون لغرض
احتج القائلون (٣) بأنه تعالى يفعل الفعل لغرض بقوله : (لِيَبْلُوَكُمْ) قالوا : وهذه اللام للغرض كقوله تعالى : (إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) ، والجواب : أن الفعل في نفسه ليس بالابتلاء ، إلا أنه لما أشبه الابتلاء سمي به مجازا ، فكذلك هاهنا ، إنه يشبه الغرض ، وإن لم يكن في نفسه غرضا فقدم حرف الغرض.
قوله : (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً).
يجوز أن يكون الموصول تابعا للعزيز الغفور ، نعتا ، أو بيانا أو بدلا.
__________________
(١) أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (٧ / ٤٠٨) رقم (١٠٧٨٨) عن السدي وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٣٨٢) وعزاه إلى ابن أبي الدنيا والبيهقي في «شعب الإيمان».
(٢) ذكره الحافظ ابن حجر في «تخريج أحاديث الكشاف» (ص ـ ٨٦) وقال : رواه داود بن المحبر في «كتاب العقل» والحارث في «مسنده» والطبري وابن مردويه من طريقه عن عبد الواحد بن زيد عن كليب بن وائل عن ابن عمر وداود ساقط وأخرجه ابن مردويه من طريق محمد بن أنس عن سليمان بن عيسى عن الثوري عن كليب كذلك وإسناده أسقط من الأول.
(٣) ينظر : الفخر الرازي ٣٠ / ٤٩.