بهذه السيارات ، فوجب أن تكون الثوابت المنكسفة فوق السيارات الكاسفة وإنما قلنا : إن الثوابت لما كانت في الفلك الثّامن وجب أن تكون كلها هناك ؛ لأنها بأسرها متحركة حركة واحدة بطيئة في كل مائة سنة درجة واحدة ، فلا بدّ وأن تكون مركوزة في كرة واحدة.
قال ابن الخطيب (١) : وهذه استدلالات ضعيفة ؛ فإنه لا يلزم من كون بعض الثّوابت فوق السيارة كون كلها هناك ؛ لأنه لا يبعد وجود كرة تحت كرة القمر ، وتكون في النظر مساوية لكرة الثوابت ، وتكون الكواكب المركوزة فيها مقارب القطبين مركوزة في هذه الكرة السفلية ؛ إذ لا يبعد وجود كرتين مختلفتين بالصغر والكبر مع كونهما متشابهتين في الحركة ، وعلى هذا التقدير لا يمتنع أن تكون المصابيح مركوزة في سماء الدنيا ، فثبت بهذا ضعف مذاهب الفلاسفة.
فصل في سبب الرجوم
قال ابن الخطيب (٢) : يروى أن السبب في الرجوم أن الجن كانت تسمع خبر السماء فلما بعث محمد صلىاللهعليهوسلم حرست السماء ورجمت الشياطين ، فمن جاء منهم مسترقا للسمع رمي بشهاب ، فأحرقه لئلا ينزل به إلى الأرض ، فيلقيه إلى النّاس ، فيختلط على النبي أمره ، ويرتاب النّاس بخبره. ومن النّاس من طعن في هذا من وجوه :
أحدها : أن انقضاض الكواكب مذكور في كتب قدماء الفلاسفة ، قالوا : إن الأرض إذا سخنت بالشمس ارتفع منها بخار يابس إذا بلغ النّار التي دون الفلك احترق بها ، فتلك الشعلة هي الشهاب.
وثانيها : أن الجن إذا شاهدوا جماعة منهم يسترقون ، فيحرقون إن امتنع أن يعودوا لذلك.
وثالثها : أن ثخن السماء مسيرة خمسمائة سنة ، فالجن لا يقدرون على خرقها ؛ لأنه تعالى نفى أن يكون فيها فطور ، وثخنها يمنعهم من السمع لأسرار الملائكة من ذلك البعد العظيم ، وإذا سمعوه من ذلك البعد ، فهم لا يسمعون كلام الملائكة حال كونهم في الأرض.
ورابعها : أن الملائكة إنما اطلعوا على الأحوال المستقبلة ، إما لأنهم طالعوها من اللوح المحفوظ ، أو لأنهم نقلوها من وحي الله إليهم ، وعلى التقديرين ، فلم لم يسكتوا عن ذكرها حتى لا يمكنوا الجن من معرفتها.
__________________
(١) السابق.
(٢) السابق ٣٠ / ٥٤.