قوله : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ) ظاهره أنه من مقول الكفار للنذير ، أي : قلنا : «ما أنزل الله من شيء» أي : على ألسنتكم إن أنتم يا معشر الرسل (إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ) اعترفوا بتكذيب الرسل ، ثم اعترفوا بجهلهم ، فقالوا وهم في النار : (لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ) من النذر يعني : الرسل ما جاءوا به (أَوْ نَعْقِلُ) عنهم.
وجوز الزمخشريّ أن يكون من كلام الرّسل للكفرة ، وحكاه الكفرة للخزنة ، أي : قالوا لنا هذا فلم نقبله (١).
قال ابن الخطيب (٢) : يجوز أن يكون من كلام الخزنة للكفار ، أي : لما قالوا ذلك الكلام قالت الخزنة لهم : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ).
قوله : (وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ).
قال ابن الخطيب (٣) : احتجّ بهذه الآية من قال : إنّ الدين لا يتم إلا بالتعليم ؛ لأنه قدم السمع على العقل ، فدل على أنه لا بد أولا من إرشاد المرشد غلب عليه تأمل السامع فيما ندب العلم.
وأجيب : بأنه إنما قدم السمع ؛ لأن الرسول إذا دعا ، فأول المراتب أنه يسمع كلامه ، ثم يتفكر فيه فلما كان السمع مقدما على التعقل لا جرم قدم عليه في الذكر.
فصل فيمن فضل السمع على البصر
واحتج بهذه الآية من قدم السمع على البصر ، قالوا : لأنه جعل للسمع مدخلا في الخلاص من النار ، والفوز بالجنة ، والبصر ليس كذلك ، فوجب أن يكون السمع أفضل من البصر (٤).
قوله «بذنبهم» وحّده ؛ لأنه مصدر في الأصل ، ولم يقصد التنويع بخلاف «بذنوبهم» في موضع ؛ ولأنه في معنى الجمع ؛ ولأن اسم الجنس إذا أضيف عم.
فصل في المراد بالضلال الكبير
قال ابن الخطيب (٥) : يحتمل أن يكون المراد من الضّلال الكبير ما كانوا عليه في الدنيا من ضلالهم ، ويحتمل أن يكون المراد بالضّلال الهلاك ، ويحتمل أن يكون قد سمى عقاب الضلال باسمه.
فصل في الرد على المرجئة
احتجت المرجئة بهذه الآية على أنه لا يدخل النار إلا الكفار قالوا (٦) : لأنه تعالى
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٤ / ٥٧٨.
(٢) ينظر : الفخر الرازي ٣٠ / ٥٧.
(٣) ينظر السابق.
(٤) السابق ٣٠ / ٥٨.
(٥) السابق ٣٠ / ٥٧.
(٦) ينظر السابق.