قوله : (وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ).
قيل : اللطيف : العالم.
وقيل : هو فاعل الأشياء اللطيفة التي يخفى علمها على أكثر الفاعلين ، ولهذا يقال : إن لطف الله تعالى بعباده عجيب ، والمراد به دقائق تدبيره لهم ، وهذا أقرب وإلا لكان ذكر الخبير بعد تكرارا.
قوله : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً) لما بين الدليل كونه عالما بما يسرون وما يعلنون ذكر بعده هذه الآية على سبيل التهديد كقول السيد لعبده الذي أساء إليه سرا : يا فلان أنا أعلم سرك وعلانيتك ، فاجلس في هذه الدار التي وهبتها منك ، وكل هذا الخير الذي هيأته لك ، ولا تأمن تأديبي ، فكأنه تعالى يقول : يا أيها الكفّار أنا عالم بسركم وجهركم وضمائركم ، فخافوني ؛ فإن الأرض التي هي قراركم أنا ذللتها لكم ، ولو شئت خسفت بكم.
والذّلول : المنقاد الذي يذلّ لك ، والمصدر الذل وهو اللين والانقياد ، أي : لم يجعل الأرض بحيث يمتنع المشي فيها بالحزونة والغلظة.
وقيل : يثبتها بالجبال لئلا تزول بأهلها ، ولو كانت تتكفأ متمايلة لما كانت منقادة لنا.
وقيل : إشارة إلى التمكن من الزرع ، والغرس ، وشق العيون ، والأنهار ، وحفر الآبار ، وبناء الأبنية ، ولو كانت صلبة لتعذر ذلك.
وقيل : لو كانت مثل الذّهب والحديد لكانت تسخن جدا في الصيف ، وكانت تبرد جدا في الشتاء (١).
قوله : (فَامْشُوا فِي مَناكِبِها). هذه استعارة حسنة جدا.
وقال الزمخشري (٢) : مثل لفرط التذليل ، ومجاوزته الغاية ؛ لأن المنكبين وملتقاهما من الغارب أرق شيء من البعير ، وأنهاه عن أن يطأه الراكب بقدمه ، ويعتمد عليه ، فإذا جعلها في الذل بحيث يمشي في مناكبها لم يترك.
فصل في هذا الأمر
هذا أمر إباحة ، وفيه إظهار الامتنان.
وقيل : هو خبر بلفظ الأمر ، أي : لكي تمشوا في أطرافها ، ونواحيها ، وآكامها وجبالها.
__________________
(١) ينظر : القرطبي ١٨ / ١٤٠.
(٢) ينظر : الكشاف ٤ / ٥٨٠.