فصل
قال القرطبيّ : ويحتمل أن يكون المعنى : أمنتم خالق من في السماء أن يخسف بكم الأرض كما خسفها بقارون (فَإِذا هِيَ تَمُورُ) أي : تذهب وتجيء ، والمور : الاضطراب بالذهاب والمجيء. قال الشاعر : [الطويل]
٤٨٠١ ـ رمين فأقصدن القلوب ولن ترى |
|
دما مائرا إلّا جرى في الحيازم (١) |
جمع «حيزوم» وهو وسط الصدر.
وإذا خسف بإنسان دارت به الأرض ، فهو المور.
قال ابن الخطيب : إن الله ـ تعالى ـ يحرك الأرض عند الخسف بهم حتى تضطرب وتتحرك ، فتعلو عليهم وهم يخسفون فيها ، فيذهبون والأرض فوقهم تمور ، فتقلبهم إلى أسفل السافلين.
قال القرطبي (٢) : قال المحققون : أمنتم من فوق السّماء ، كقوله : (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ) [التوبة : ٢] أي : فوقها لا بالمماسة والتحيّز ، لكن بالقهر والتدبير.
وقيل : معناه : أمنتم من على السماء كقوله : (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) ، أي: عليها ، ومعناه أنه مدبرها ، ومالكها كما يقال : فلان على «العراق» ، أي : وليها وأميرها ، والأخبار في هذا صحيحة ، وكثيرة منتشرة مشيرة إلى العلوّ ، لا يدفعها إلا ملحد ، أو جاهل أو معاند ، والمراد بها توقيره وتنزيهه عن السفل والتحت ، ووصفه بالعلو والعظمة ، لا بالأماكن والجهات والحدود ؛ لأنها صفات الأجسام ، وإنما ترفع الأيدي بالدعاء إلى السماء ؛ لأن السماء مهبط الوحي ، ومنزل القطر ، ومحل القدس ، ومعدن المطهرين من الملائكة ، وإليها ترفع أعمال العباد ، وفوقها عرشه وجنته كما جعل الله الكعبة قبلة للصلاة ، فإنه خلق الملائكة وهو غير محتاج إليها ، وكان في أزله قبل خلق المكان والزمان ، ولا مكان له ولا زمان وهو الآن على ما عليه كان.
قوله (أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً).
قال ابن عباس : أي : حجارة من السماء كما أرسلها على قوم لوط وأصحاب الفيل (٣).
وقيل : ريح فيها حجارة وحصباء كأنها تقلع الحصباء ، لشدتها وقوتها.
وقيل : سحاب فيه حجارة.
قوله (فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ).
__________________
(١) ينظر : القرطبي ١٨ / ١٤١.
(٢) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ١٨ / ١٤١.
(٣) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٨ / ١٤١).