وقرأ طلحة (١) : بتخفيف الأول وتثقيل الثاني.
قال أبو الفضل : معناه : أهذا الذي هو جند لكم ، أم الذي يرزقكم. و «ينصركم» صفة لجند.
فصل في لفظ جند
قال ابن عباس : (جُنْدٌ لَكُمْ) أي : حزب ومنعة لكم (يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ)(٢) ، فيدفع عنكم ما أراد بكم إن عصيتموه. ولفظ الجند يوحد ، ولهذا قال : هذا الذي هو جند لكم ، وهو استفهام إنكاري ، أي لا جند لكم يدفع عذاب الله من دون الرحمن ، أي : من سوى الرحمن (إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ) من الشيطان يغرهم بأن لا عذاب ، ولا حساب.
قال بعض المفسرين (٣) : كان الكفار يمتنعون عن الإيمان ، ويعاندون الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ معتمدين على شيئين :
أحدهما : قوتهم بعددهم ومالهم.
والثاني : اعتقادهم أن الأوثان توصل إليهم جميع الخيرات ، وتدفع عنهم جميع الآفات فأبطل الله عليهم الأول بقوله (أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ) الآية ، ورد عليهم الثاني بقوله : (أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ) الآية.
قوله (إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ) شرط ، جوابه محذوف للدلالة عليه ، أي : أفمن يرزقكم غيره.
وقدّر الزمخشريّ شرطا بعد قوله : (أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ) تقديره (٤) : «إن أرسل عليكم عذابه» ولا حاجة له صناعة.
فصل في معنى الآية
المعنى (أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ) أي : يعطيكم منافع الدنيا.
وقيل : من آلهتكم (إِنْ أَمْسَكَ) يعني الله تعالى رزقه وهذا مما لا ينكره ذو عقل ، وهو أنه تعالى إن أمسك أسباب الرزق كالمطر ، والنبات وغيرهما لما وجد رازق سواه فعند وضوح هذا الأمر قال تعالى : (بَلْ لَجُّوا) ، أي : تمادوا وأصروا (فِي عُتُوٍّ) طغيان «ونفور» عن الحق ، أو تباعد أو إعراض عن الحق.
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٣٤٢ ، والبحر المحيط ٨ / ٢٩٧ ، والدر المصون ٦ / ٣٤٦.
(٢) ذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ٣٧٢) والقرطبي (١٨ / ١٤٢).
(٣) ينظر الفخر الرازي ٣٠ / ٣٦.
(٤) ينظر : الكشاف ٤ / ٥٨١.