وكلهم فتح الياء في (وَمَنْ مَعِيَ) إلا أهل الكوفة (١) فإنهم سكنوها ، وفتحها حفص ، كالجماعة.
قوله : (قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا). قد تقدم لم أخر متعلق الإيمان وقدم متعلق التوكل ، وأن التقديم يفيد الاختصاص.
قال القرطبيّ (٢) : إنما قدم لوقوع «آمنّا» تعريضا بالكافرين ، حين ورد عقب ذكرهم ، كأنه قيل : آمنا ولم نكفر كما كفرتم ، ثم قال : (وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا) خصوصا لم نتكل على ما أنتم متكلون عليه من رجالكم وأموالكم ، قاله الزمخشري (٣).
وقرأ الكسائي (٤) : «فسيعلمون» بياء الغيبة نظرا إلى قوله «الكافرين».
والباقون : على الخطاب ، إما على الوعيد وإما على الالتفات من الغيبة المرادة في قراءة الكسائي وهو تهديد لهم ، أي : فستعلمون عند معاينة العذاب من الضال نحن ، أم أنتم.
قوله : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ) يا معشر قريش (إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً) أي : غائرا ذاهبا في الأرض لا تناله الدلاء ، و «غورا» خبر «أصبح» ، وجوز أبو البقاء : أن يكون حالا على تمام «أصبح» ، لكنه استبعده (٥).
وحكى أنه قرىء (٦) : «غؤورا» ـ بضم الغين ، وهمزة مضمومة ، ثم واو ساكنة ـ على «فعول» وجعل الهمزة منقلبة عن واو مضمومة.
فصل في المراد بالماء
كان ماؤهم من بئرين : بئر زمزم وبئر ميمون (فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) أي : جار ، قاله قتادة والضحاك (٧).
فلا بد لهم أن يقولوا : لا يأتينا به إلا الله تعالى ، فقل لهم : فلم تشركون به من لا يقدر على أن يأتيكم به.
__________________
(١) ينظر : السبعة ٦٤٥ ، والحجة ٦ / ٣٠٨ ، وإعراب القراءات ٢ / ٣٧٩ ، ٣٨٠ ، والعنوان ١٩٤ ، وشرح الطيبة ٦ / ٦٤ ، وإتحاف ٢ / ٥٥٢ ، والمحرر الوجيز ٥ / ٣٤٣.
(٢) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ١٨ / ١٤٤.
(٣) ينظر : الكشاف ٤ / ٥٨٣.
(٤) ينظر : السبعة ٦٤٤ ، والحجة ٦ / ٣٠٧ ، وإعراب القراءات ٢ / ٣٨٠ ، وحجة القراءات ٧١٦ ، والعنوان ١٩٤ ، وشرح شعلة ٥ / ٦ ، وشرح الطيبة ٦ / ٦٣ ، وإتحاف ٢ / ٥٥٢.
(٥) ينظر الإملاء ٢ / ٢٦٦.
(٦) ينظر : الدر المصون ٦ / ٣٤٨.
(٧) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ١٧٤) عن قتادة والضحاك وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٣٨٦) عن قتادة. وعزاه إلى عبد بن حميد.