السلام ـ أن تدعو أحدا؟ فقال : لا فقال : والله لئن بقيت إلى دعوتك لأنصرنك نصرا عزيزا ، ثم مات قبل دعاء الرسول صلىاللهعليهوسلم ووقعت تلك الواقعة في ألسنة كفار قريش ، فقالوا : إنه مجنون ، فأقسم الله تعالى على أنه ليس بمجنون ، وهو خمس آيات من أول هذه السورة (١) ، قال ابن عباس: أول ما نزل قوله تعالى : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ) [الأعلى : ١] ، وهذه الآية هي الثانية(٢) ، نقله ابن الخطيب (٣).
وذكر القرطبيّ (٤) : أن المشركين كانوا يقولون للنبي صلىاللهعليهوسلم : مجنون به شيطان وهو قوله (يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) [الحجر : ٦] فأنزل الله تعالى ردا عليهم وتكذيبا لقولهم (فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ) أي : برحمة ربك ، والنعمة هاهنا الرحمة. وقال عطاء وابن عباس : يريد بنعمة ربّك عليك بالإيمان والنبوة.
قال القرطبي (٥) : «ويحتمل أن النعمة ـ هاهنا ـ قسم ، تقديره : ما أنت ، ونعمة ربك بمجنون لأن الواو والباء من حروف القسم» وقد تقدم.
فصل
قال ابن الخطيب (٦) : اعلم أنه تعالى وصفه ـ هاهنا ـ بصفات ثلاث :
الأولى : نفي الجنون عنه ثم قرن بهذه الدعوى ما يكون كالدلالة القاطعة على صحتها ، لأن قوله : (بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) يدل على أن نعم الله تعالى ظاهرة في حقه من الفصاحة التامة ، والعقل الكامل ، والسيرة المرضية ، والبراءة من كل عيب ، والاتصاف بكل مكرمة ، وإذا كانت هذه النعم ظاهرة محسوسة ووجودها ينافي حصول الجنون ، فالله تعالى نبه على أن هذه الحقيقة جارية مجرى الدلالة اليقينية على كذبهم في قولهم : «إنه مجنون».
الصفة الثانية : قوله : (وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ) أي : ثوابا على ما تحملت غير منقوص ولا مقطوع منه ، يقال : منّ الشيء إذا ضعف ، ويقال : مننت الحبل إذا قطعته ، وحبل منين إذا كان غير متين.
قال لبيد : [الكامل]
٤٨٠٩ ـ ........... |
|
غبس كواسب ما يمنّ طعامها (٧) |
__________________
(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (٣٠ / ٧٠).
(٢) ينظر المصدر السابق.
(٣) ينظر : الفخر الرازي ٣٠ / ٧٠.
(٤) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ١٨ / ١٤٨.
(٥) السابق.
(٦) ينظر : الفخر الرازي ٣٠ / ٧٠.
(٧) عجز بيت وصدره :
لمعفر قهد تنازع شلوه ـ