يسمّى خلقا ، لأنّه يصير كالخلقة فيه فأما ما طبع عليه من الأدب فهو الخيم ، فيكون الخلق : الطبع المتكلف ، والخيم : الطبع الغريزي.
قال القرطبي (١) : «ما ذكره مسلم (٢) في صحيحه عن عائشة أصح الأقوال ، وسئلت أيضا عن خلقه ـ عليه الصلاة والسلام ـ فقرأت (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) [المؤمنون : ١] إلى عشر آيات» (٣).
قال ابن الخطيب (٤) : وهذا إشارة إلى أن نفسه القدسية كانت بالطبع منجذبة إلى عالم الغيب وإلى كل ما يتعلق بها ، وكانت شديدة النفرة من اللذات البدنية ، والسعادات الدنيوية بالطبع ، ومقتضى الفطرة ، وقالت : ما كان أحد أحسن خلقا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما دعاه أحد من الصحابة ولا من أهل بيته إلا قال : لبيك ، ولذلك قال الله تعالى (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ولم يذكر خلق محمود إلا وكان للنبي الحظ الأوفر.
وقال الجنيد : سمى خلقه عظيما لاجتماع مكارم الأخلاق فيه ، بدليل قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «إنّ الله بعثني لأتمّم مكارم الأخلاق» (٥).
فصل
قال ابن الخطيب (٦) : قوله : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) كالتفسير لما تقدم من قوله تعالى : (بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) وتعريف لمن رماه بالجنون بأن ذلك كذب وخطأ ؛ لأن الأخلاق الحميدة والأفعال المرضية كانت ظاهرة منه ، وإذا كان موصوفا بتلك الأخلاق والأفعال ، لم يجز إضافة الجنون إليه ؛ لأن الأخلاق المجانين سيئة ، ولما كانت أخلاقه الحميدة صلىاللهعليهوسلم كاملة لا جرم وصفها الله بأنها عظيمة ، ولهذا قال : (ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) [ص : ٨٦] أي : لست مكلفا فيما يظهر لكم من الأخلاق ، لأنه تعالى قال : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام : ٩٠] فهذا الهدي الذي أمر الله محمدا صلىاللهعليهوسلم بالاقتداء به ليس هو
__________________
(١) ينظر مسلم ٢ / ٥١٢ ـ ٥١٣ في صلاة المسافرين (١٣٩ ـ ٧٤٦).
(٢) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ١٨ / ١٤٩.
(٣) أخرجه النسائي في «الكبرى» (٦ / ٤١٢) والحاكم (٢ / ٣٩٢) عن يزيد بن بابنوس قال : قلنا لعائشة : كيف كان خلق رسول الله صلىاللهعليهوسلم فذكرته.
وقال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(٤) ينظر الفخر الرازي ٣٠ / ٧٢.
(٥) أخرجه أحمد (٢ / ٣٩٨) والبخاري في «الأدب المفرد» (٢٧٣) والحاكم (٢ / ٦١٣) والبيهقي (١٠ / ١٩١ ، ١٩٤) والقضاعي في «مسند الشهاب» (١١٦٥) من طريق القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة إلا أن أحمد قال : «صالح الأخلاق».
ورواه مالك في «الموطأ» (٢ / ٢١١) بلاغا عن النبي صلىاللهعليهوسلم.
(٦) ينظر : الفخر الرازي ٣٠ / ٧١.