قال القشيريّ : وفي هذا نظر ؛ لأن النهار يسمى صريما ، ولا يقطع عن التصرف.
وقيل : سمي الليل صريما ؛ لأنه يصر نور البصر ويقطعه.
فصل في بيان أن العزم مما يؤاخذ به الإنسان
قال القرطبيّ : في الآية دليل على أن العزم مما يؤاخذ به الإنسان. لأنهم عزموا على أن يفعلوا ، فعوقبوا على فعلهم ؛ ونظيره قوله تعالى : (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) [الحج : ٢٥].
وفي الصحيح عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النّار ، قيل : يا رسول الله ، هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال : إنّه كان حريصا على قتل صاحبه» (١). وقد مضى في آل عمران عند قوله : (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا) [آل عمران : ١٣٥].
قوله : (فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ).
قال مقاتل : لما أصبحوا قال بعضهم لبعض : (اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ) يعني بالحرث الثّمار والزروع والأعناب ، ولذلك قال : «صارمين» ، لأنهم أرادوا قطع الثمار من الأشجار.
(أَنِ اغْدُوا) يجوز أن تكون المصدرية ، أي : تنادوا بهذا الكلام ، وأن تكون المفسرة ، لأنه تقدمها ما هو بمعنى القول.
قال الزمخشريّ : «فإن قلت : هلّا قيل : اغدوا إلى حرثكم ، وما معنى على؟.
قلت : لما كان الغدو إليه ليصرموه ، ويقطعوه كان غدوا عليه كما تقول : غدا عليهم العدو ويجوز أن يضمن الغدو معنى الإقبال كقولهم : يغدى عليهم بالجفنة ويراح» انتهى.
فجعل «غدا» متعديا في الأصل ب «إلى» فاحتاج إلى تأويل تعديه ب «على» ، وفيه نظر ؛ لورود تعديه ب «على» في غير موضع ؛ كقوله : [الوافر]
٤٨٢٣ ـ وقد أغدو على ثبة كرام |
|
نشاوى واجدين لما نشاء (٢) |
وإذا كانوا قد عدوا مرادفه ب «على» فليعدوه بها ، ومرادفه «بكر» تقول : بكرت عليه و «غدوت عليه» بمعنى واحد ؛ قال : [الطويل]
__________________
(١) أخرجه البخاري ١٤ / ١٩٩ ، كتاب الديات ، باب قول الله (ومن أحياها) (٦٨٧٥) ، ومسلم ٤ / ٢٢١٣ ، كتاب الفتن ، باب إذا تواجه المسلمان (١٤ ـ ٢٨٨٨).
(٢) البيت لزهير ينظر ديوانه (١٧) ، واللسان (ثبا) والدر المصون ٦ / ٣٥٥.