فأما قراءة الجماعة : فمن أزلقه ، أي : أزال رجله ، فالتعدية بالهمزة من أزلق يزلق.
وأما قراءة نافع ، فالتعدية بالحركة ، يقال : زلق ـ بالكسر ـ وزلقته ـ بالفتح ، ونظيره : شترت عينه ـ بالكسر ـ وشترها الله ـ بالفتح. [وقد تقدم لذلك أخوات].
وقيل : زلقه وأزلقه ـ بمعنى واحد ـ إزلاقا ، إذا نحاه وأبعده ، وأزلق برأسه يزلقه زلقا ، إذا حلقه.
قال القرطبي : «وكذلك أزلقه ، وزلقه تزليقا ، ورجل زلق وزملق ـ مثال هدبد ـ وزمالق وزملق ـ بتشديد الميم ـ وهو الذي ينزل قبل أن يجامع ، حكاه الجوهري وغيره».
والباء في «بأبصارهم» إما للتعدية كالداخلة على الآلة ، أي : جعلوا أبصارهم كالآلة المزلقة لك ك «عملت بالقدوم» ، وإما للسببية ، أي : بسبب عيونهم.
وقرىء (١) : «ليزهقونك» من زهقت نفسه ، وأزهقها.
ثم فيه وجوه :
أحدها : أنهم من شدة تحديقهم ، ونظرهم إليك شزرا بعيون العداوة ، والبغضاء يكادون يزلقون قدمك من قولهم : نظر إليّ نظرا يكاد يصرعني ويكاد يأكلني ، أنشد ابن عباس لما مر بأقوام حددوا النظر فيه : [الكامل]
٤٨٣٧ ـ نظروا إليّ بأعين محمرّة |
|
نظر التيوس إلى شفار الجازر (٢) |
فصل في المراد بالنظر
أخبر الله تعالى بشدة عداوتهم للنبي صلىاللهعليهوسلم وأرادوا أن يصيبوه بالعين ، فنظر إليه قوم من قريش وقالوا : ما رأينا مثله ، ولا مثل حججه.
وقيل : كانت العين في بني أسد ، حتى إن البقرة السمينة ، أو الناقة السمينة تمر بأحدهم فيعاينها ثم يقول : يا جارية ، خذي المكتل والدرهم ، فأتنا بلحم هذه الناقة فما تبرح حتى تقع الناقة للموت فتنحر.
وقال الكلبيّ : كان رجل من العرب يمكث لا يأكل شيئا يومين أو ثلاثة ثم يرجع جانب الخباء ، فتمر به الإبل والغنم ، فيقول : لم أر كاليوم إبلا ولا غنما أحسن من هذه فلا تذهب قليلا حتى تسقط منها طائفة هالكة ، فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب لهم النبي صلىاللهعليهوسلم بالعين ، فأجابهم ، فلما مر النبي صلىاللهعليهوسلم أنشد : [الكامل]
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٤ / ٥٩٧ ، والمحرر الوجيز ٥ / ٣٥٤ ، ونسبها لابن مسعود ، وينظر : البحر المحيط ٨ / ٣١١ ، وزاد : ابن عباس ، والأعمش ، وعيسى.
(٢) ينظر الرازي ٣٠ / ٨٨.