أحدهما : أنه كقراءة الجماعة إلا أنه خفف بالحذف.
والثاني : أنه اسم فاعل من «خطا يخطو» إذا اتبع خطوات غيره ، فيكون من قوله تعالى: (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) [البقرة : ١٦٨] ، قاله الزمخشريّ.
وقد تقدم أول الكتاب أن نافعا يقرأ : «الصّابيون» بدون همز ، وكلام الناس فيها.
وعن ابن عباس : ما الخاطون ، كلنا نخطو.
وروى عنه أبو الأسود الدؤليّ : ما الخاطون إنما هو الخاطئون ، وما الصّابون إنما هو الصّابئون (١) ، ويجوز أن يراد الذين يتخطون الحقّ إلى الباطل ويتحدون حدود الله.
قوله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (٣٨) وَما لا تُبْصِرُونَ (٣٩) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٤٢) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ)(٤٣)
قوله : (فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ وَما لا تُبْصِرُونَ).
قد تقدم مثله في آخر الواقعة ، إلا أنه قيل هاهنا : إن «لا» نافية لفعل القسم ، وكأنه قيل : لا احتياج أن أقسم على هذا ؛ لأنه حقّ ظاهر مستغن عن القسم ، ولو قيل به في الواقعة لكان حسنا.
واعلم أنه ـ تعالى ـ لما أقام الدلالة على إمكان القيامة ، ثم على وقوعها ، ثم ذكر أحوال السّعداء ، وأحوال الأشقياء ، ختم الكلام بتعظيم القرآن ، فقال : (فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ).
وقيل : المراد : أقسم ، و «لا» صلة ، والمعنى أقسم بالأشياء كلها ما ترون منها وما لا ترون ، فعمّ جميع الأشياء على الشمول ؛ لأنها لا تخرج عن قسمين : مبصر وغير مبصر ، فقيل : الخالق والخلق ، والدنيا والآخرة ، والأجسام والأرواح ، والإنس والجنّ ، والنعم الظاهرة ، والباطنة.
وإن لم تكن «لا» زائدة ، فالتقدير : لا أقسم على أنّ هذا القرآن قول رسول كريم ـ يعني «جبريل» ، قاله الحسن والكلبي ومقاتل ـ لأنه يستغنى عن القسم لوضوحه.
وقال مقاتل : سبب نزول هذه الآية أن الوليد بن المغيرة قال : إنّ محمدا ساحر.
وقال أبو جهل : شاعر وليس القرآن من قول النبي صلىاللهعليهوسلم. وقال عقبة : كاهن ، فقال الله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ) أي : أقسم (٢).
__________________
(١) أخرجه الحاكم في «المستدرك» (٢ / ٥٠١) من طريق أبي الأسود الدؤلي ويحيى بن يعمر عن ابن عباس.
وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(٢) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٨ / ١٧٧ ـ ١٧٨).