قال شهاب الدين (١) : لا يريد ابن عطية بدلالة «تؤمنون» على الفعل المحذوف الدلالة في باب الاشتغال ، حتى يكون العامل الظاهر مفسرا للعامل المضمر ، بل يريد مجرّد الدلالة اللفظية ، فليس ما أورده أبو حيان عليه من تمثيله بقوله : «زيدا ما أضربه» أي : «ما أضرب زيدا ما أضربه» وأما الردّ الثاني فظاهر ، وقد تقدم لابن عطية هذا القول في أول سورة «الأعراف» فليلتفت إليه.
وقال الزمخشريّ : «والقّلة في معنى العدم ، أي : لا تؤمنون ولا تذكرون ألبتّة».
قال أبو حيّان (٢) : ولا يراد ب «قليلا» هنا النفي المحض كما زعم ، وذلك لا يكون إلّا في «أقلّ رجل يقول ذلك إلا زيد» ، وفي «قل» نحو «قلّ رجل يقول ذلك إلا زيد» وقد يستعمل في «قليلة» ، و «قليلة» إذا كانا مرفوعين ، نحو ما جوزوا في قول الشاعر : [الطويل]
٤٨٥٣ ـ ............ |
|
قليل بها الأصوات إلّا بغامها (٣) |
أما إذا كان منصوبا نحو : «قليلا ضربت ، أو قليلا ما ضربت» على أن تكون «ما» مصدرية ، فإن ذلك لا يجوز ؛ لأنه في «قليلا ضربت» منصوب ب «ضربت» ، ولم تستعمل العرب «قليلا» ، إذا انتصب بالفعل نفيا ، بل مقابلا لكثير ، وأما في «قليلا ما ضربت» على أن تكون «ما» مصدرية ، فتحتاج إلى رفع «قليل» ؛ لأن «ما» المصدرية في موضع رفع على الابتداء. انتهى ما رد به عليه.
قال شهاب الدين (٤) : «وهذا مجرد دعوى».
وقرأ ابن كثير (٥) وابن عامر بخلاف عن ابن ذكوان : «يؤمنون ، يذكرون» بالغيبة حملا على «الخاطئون» والباقون : بالخطاب ، حملا على (بِما تُبْصِرُونَ).
وأبيّ (٦) : وتتذكرون «بتاءين».
فصل في القرآن الكريم
قوله : (وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ) ؛ لأنه مباين لصنوف الشعر كلّها ، (وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ) ؛ لأنه ورد بسبّ الشياطين وشتمهم فلا ينزلون شيئا على من سبّهم.
وقوله : (قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ) ، المراد بالقليل من إيمانهم هو أنهم إذا سئلوا من خلقهم قالوا : الله.
__________________
(١) الدر المصون ٦ / ٣٦٩.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٣٢٨.
(٣) تقدم.
(٤) الدر المصون ٦ / ٣٦٩.
(٥) ينظر : السبعة ٦٤٨ ، ٦٤٩ ، والحجة ٦ / ٣١٥ ، وإعراب القراءات ٢ / ٣٨٦.
(٦) ينظر : المحرر الوجيز ٣٦٢٥. والبحر المحيط ٣٢٢٨ ، والدر المصون ٦ / ٣٧٠.