وقيل : إنهم قد يؤمنون في قلوبهم إلا أنهم يرجعون عنه سريعا ، ولا يتممون الاستدلال ، ألا ترى إلى قوله تعالى : (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ) [المدثر : ١٨] إلا أنه في آخر الأمر قال : (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) [المدثر : ٢٤].
وقال مقاتل : يعني بالقليل أنهم لا يصدقون بأن القرآن من الله تعالى (١) ، والمعنى لا يؤمنون أصلا ، والعرب يقولون : قلّ ما تأتينا ، يريدون لا تأتينا.
قوله : (تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، هذه قراءة العامة ، أعني الرّفع على إضمار مبتدأ ، أي : هو تنزيل وتقدم مثله.
وأبو السّمال (٢) : «تنزيلا» بالنصب على إضمار فعل ، أي : نزل تنزيلا.
قال القرطبي (٣) : وهو عطف على قوله : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) أي : إنه لقول رسول كريم ، وهو تنزيل من رب العالمين.
قوله تعالى : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦) فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (٤٧) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (٤٨) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (٤٩) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (٥١) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ)(٥٢)
قوله : (وَلَوْ تَقَوَّلَ) ، هذه قراءة العامّة ، «تفعّل» من القول مبنيّا للفاعل.
قال الزمخشريّ : «التقوّل ، افتعال القول ؛ لأن فيه تكلّفا من المفتعل».
وقرأ بعضهم (٤) : «تقوّل» مبنيا للمفعول.
فإن كان هذا القارىء رفع ب (بَعْضَ الْأَقاوِيلِ) فذاك ، وإلا فالقائم مقام الفاعل الجار ، وهذا عند من يرى قيام غير المفعول به مع وجوده.
وقرأ ذكوان وابنه (٥) محمد : «يقول» مضارع «قال».
و «الأقاويل» جمع : «أقوال» ، و «أقوال» جمع : «قول» ، فهو نظير : «أباييت» جمع : «أبيات» جمع «بيت».
وقال الزمخشريّ : وسمى الأقوال المنقولة أقاويل تصغيرا لها وتحقيرا ، كقولك : «الأعاجيب» و «الأضاحيك» ، كأنها جمع «أفعولة» من القول.
__________________
(١) ينظر : تفسير القرطبي (١٨ / ١٧٧ ـ ١٧٨).
(٢) ينظر : الكشاف ٤ / ٧٠٦ ، والبحر المحيط ٨ / ٣٢٢ ، والدر المصون ٦ / ٣٧٠.
(٣) الجامع لأحكام القرآن ١٨ / ١٧٨.
(٤) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٣٢٢ ، والدر المصون ٦ / ٣٧٠.
(٥) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٣٦٣ ، والبحر المحيط ٨ / ٣٢٢ ، والدر المصون ٦ / ٣٧٠.