قال الزمخشريّ : فإن قلت : ما موقع «يبصّرونهم»؟
قلت : هو كلام مستأنف ، كأنه لمّا قال : «لا يسأل حميم حميما» قيل : لعله لا يبصره ، فقال : «يبصّرونهم» ، ثم قال : ويجوز أن يكون «يبصرونهم» صفة ، أي : حميما مبصرين معرفين إياهم انتهى.
وإنما اجتمع الضميران في «يبصرونهم» وهما للحميمين حملا على معنى العموم ؛ لأنهما نكرتان في سياق النفي (١).
وقرأ قتادة : «يبصرونهم» مبنيا للفاعل ، من «أبصر» ، أي : يبصر المؤمن الكافر في النار.
فصل في قوله تعالى يبصرونهم
«يبصّرونهم» ، أي : يرونهم ، يقال : بصرت به أبصر ، قال تعالى : (بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ) [طه : ٩٦] ، ويقال : «بصّرني زيد بكذا» فإذا حذفت الجار قلت : بصّرني زيد ، فإذا بنيت الفعل للمفعول ، وقد حذفت الجارّ ، قلت : بصرت زيدا ، فهذا معنى : «يبصّرونهم» أي : يعرف الحميم الحميم حين يعرفه ، وهو مع ذلك ، لا يسأله عن شأنه لشغله بنفسه ، فيبصر الرجل أباه ، وأخاه ، وقرابته ، وعشيرته ، فلا يسأله ، ولا يكلمه ؛ لاشتغالهم بأنفسهم.
وقال ابن عبّاس : يتعارفون ساعة ، ثم لا يتعارفون بعد ذلك (٢).
وقال ابن عباس أيضا : يبصر بعضهم بعضا (٣) ، فيتعارفون ثم يفرّ بعضهم من بعض ، فالضمير في «يبصّرونهم» على هذا للكافر ، والهاء والميم للأقرباء.
وقال مجاهد : المعنى : يبصّر الله المؤمنين الكفّار في يوم القيامة ، فالضمير في «يبصّرونهم» للمؤمنين ، والهاء والميم للكفار (٤).
وقال ابن زيد : المعنى : يبصّر الله الكفار في النار الذين أضلوهم في الدّنيا ، فالضمير في «يبصّرونهم» للتابعين ، والهاء والميم للمتبوعين (٥).
وقيل : إنه يبصر المظلوم ظالمه ، والمقتول قاتله.
وقيل : إن الضمير في «يبصّرونهم» يرجع إلى الملائكة ، أي : يعرفون أحوال
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٣٦٦ ، والدر المصون ٦ / ٣٧٦.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٢٢٩) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ١٤٨).
(٣) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٨ / ١٨٤).
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٢٣٠) وذكره الماوردي (٦ / ٩٢).
(٥) ينظر المصدر السابق.