وقرأ الزهريّ : «تؤويه (١) ، وتنجيه» بضم هاء الكناية ، على الأصل.
و «ثمّ ننجيه» عطف على «يفتدي» فهو داخل في خبر «لو» وتقدم الكلام فيها ، هل هي مصدرية أم شرطية في الماضي ، ومفعول «يودّ» محذوف ، أي : يودّ النّجاة.
وقيل : إنها هنا بمعنى «أن» وليس بشيء ، وفاعل «ينجيه» إما ضمير الافتداء الدالّ عليه «يفتدي» ، أو ضمير من تقدم ذكرهم ، وهو قوله : (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ).
و (مَنْ فِي الْأَرْضِ) مجرور عطفا على «بنيه» وما بعده ، أي : يودّ الافتداء بمن في الأرض أيضا و «حميما» إما حال ، وإما تأكيد ، ووحد باعتبار اللفظ.
فصل فيما يترتب على معنى «فصيلته» من أحكام
إذا وقف على فصيلته ، أو أوصى لها فمن ادعى العموم حمله على عشيرته ، ومن ادعى الخصوص حمله على الآباء الأدنى فالأدنى ، والأول أكثر في النطق ، قاله القرطبي (٢) و «تؤويه» تضمه وتؤمنه من خوف إن كان به ، (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) ، أي : ويود لو فدي بهم لافتدى (ثُمَّ يُنْجِيهِ) أي : ويخلصه ذلك الفداء ، فلا بدّ من هذا الإضمار ، كقوله : (وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) [الأنعام : ١٢١] ، أي : وإن أكله لفسق.
وقيل : (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ) يقتضي جوابا بالفاء كقوله : (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ).
والجواب في هذه الآية (ثُمَّ يُنْجِيهِ) لأنّها من حروف العطف ، أي يودّ المجرم لو يفتدي ، وينجيه الافتداء.
قوله تعالى : (كَلاَّ إِنَّها لَظى (١٥) نَزَّاعَةً لِلشَّوى (١٦) تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (١٧) وَجَمَعَ فَأَوْعى)(١٨)
قوله : «كلا». ردع وزجر.
قال القرطبيّ (٣) : «وإنما تكون بمعنى «حقّا» ، وبمعنى «لا» وهي هنا تحتمل الأمرين ، فإذا كانت بمعنى «حقّا» فإن تمام الكلام «ينجيه» وإذا كانت بمعنى «لا» كان تمام الكلام عليها. إذ ليس ينجيه من عذاب الله إلا الافتداء».
قوله : (إِنَّها لَظى نَزَّاعَةً) في الضّمير ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه ضمير النار ، وإن لم يجر لها ذكر لدلالة لفظ عذاب عليها.
والثاني : أنه ضمير القصة.
الثالث : أنه ضمير مبهم يترجم عنه الخبر ، قاله الزمخشريّ. وقد تقدم تحقيق ذلك في قوله تعالى : (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا)(٤).
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٣٦٧ ، والبحر المحيط ٨ / ٣٢٦ ، والدر المصون ٦ / ٣٧٦.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ١٨ / ١٨٦.
(٣) الجامع لأحكام القرآن ١٨ / ١٨٦.
(٤) آية ٢٩ من سورة الأنعام.