وقيل : كانوا يستهزئون بفقراء المسلمين ويتكبرون عليهم ، فقال : (إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ) ، أي : من القذر ، فلا يليق بهم هذا التكبر.
وقال قتادة في هذه الآية : إنّما خلقت يا ابن آدم من قذر فاتّق الله (١).
وروي أنّ مطرف بن عبد الله بن الشّخير ، رأى المهلّب بن أبي صفرة يتبختر في مطرف خزّ وجبّة خزّ ، فقال له : يا عبد الله ، ما هذه المشية التي يبغضها الله؟.
فقال له : أتعرفني ، قال : نعم ، أوّلك نطفة مذرة ، وآخرك جيفة قذرة ، وأنت تحمل العذرة ، فمضى المهلّب وترك مشيته (٢).
قال ابن الخطيب (٣) : ذكروا في تعلق هذه الآية بما قبلها وجوها :
أحدها : لما احتج على صحة البعث دل على أنهم كانوا منكرين للبعث ، فكأنه قيل لهم : كلا إنكم منكرون للبعث فمن أين تطمعون بدخول الجنّة.
وثانيها : أنّ المستهزئين كانوا يستحقرون المؤمنين ـ كما تقدّم ـ فقال تعالى : إنّ هؤلاء المستهزئين مخلوقون مما خلقوا ، فكيف يليق بهم هذا الاحتقار؟.
وثالثها : أنّهم مخلوقون من هذه الأشياء المستقذرة ، ولم يتصفوا بالإيمان ، والمعرفة ، فكيف يليق بالحكمة إدخالهم الجنة؟.
وقيل : معنى قوله : (خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ) ، أي : مراحل ما يعلمون وهو الأمر والنّهي والثواب والعقاب.
كقول الأعشى : [المتقارب]
٤٨٧٣ ـ أأزمعت من آل ليلى ابتكارا |
|
وشطّت على ذي هوى أن تزارا (٤) |
أي : من أجل ليلى.
قوله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (٤٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٤١) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٤٢) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (٤٣) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ)(٤٤)
قوله : (فَلا أُقْسِمُ). قد تقدّم.
وقرأ جماعة : «فلأقسم» دون ألف.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٢٤٢) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٢١) وعزاه إلى عبد بن حميد.
(٢) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٨ / ١٩١).
(٣) ينظر : الفخر الرازي ٣٠ / ١١٧.
(٤) ينظر : القرطبي ١٨ / ١٩١.