للإيمان بك لأجل مغفرتك لهم ، وأن تكون لام التّعدية ، ويكون قد عبّر عن السبب بالمسبب ، الذي هو حظهم ، والأصل دعوتهم للتوبة التي هي سبب في الغفران.
و «جعلوا» ، هو العامل في «كلّما» وهو خبر «إنّي».
قوله : «جهارا» ، يجوز أن تكون مصدرا من المعنى ؛ لأنّ المعنى يكون جهارا وغيره ، فهو من باب «قعد القرفصاء» ، وأن يكون المراد ب «دعوتهم» : جاهرتهم. وأن يكون نعت مصدر محذوف أي : دعاء جهارا.
وأن يكون مصدرا في موضع الحال ، أي : مجاهرا ، أو ذا جهار ، أو جعل نفس المصدر مبالغة.
قال الزمخشريّ : «فإن قلت : ذكر أنه دعاهم ليلا ونهارا ، ثم دعاهم جهارا ، ثمّ دعاهم في السرّ والعلن فيجب أن يكون ثلاث دعوات مختلفات ، حتى يصح العطف.
قلت : قد فعل ـ عليهالسلام ـ كما يفعل الذي يأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر في الابتداء بالأهون ، والترقي إلى الأشدّ فالأشدّ ، فافتتح في المناصحة بالسرّ فلما لم يقبلوا ثنّى بالمجاهرة ، فلمّا لم يقبلوا ثلّث بالجمع بين السرّ والإعلان ، ومعنى «ثمّ» للدلالة على تباعد الأحوال ؛ لأن الجهاد إذا غلظ من الإسرار ، والجمع بين الأمرين ، أغلظ من إفراد أحدهما».
وقال أبو حيان (١) : «وتكرر كثيرا له أنّ «ثمّ» للاستبعاد ، ولا نعلمه لغيره».
وقوله : «استكبارا». قال القرطبيّ (٢) : تفخيم.
فصل في معنى الآية
معنى : «جهارا» ، أي : مظهرا لهم الدعوة ، وهو منصوب ب «دعوتهم» بنصب المصدر.
(ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً).
أي : لم أبق مجهودا.
وقال مجاهد ـ رضي الله عنه ـ : معنى «أعلنت» صحت ، (وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً) بالدعاء عن بعضهم من بعض (٣).
وقيل : (أَسْرَرْتُ لَهُمْ) أتيتهم في منازلهم وكلّ هذا من نوح ـ عليه الصلاة والسلام ـ مبالغة في الدعاء ، وتلطف في الاستدعاء.
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٣٣٩.
(٢) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ١٨ / ١٩٤.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٢٤٨) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٢٤) وعزاه إلى عبد بن حميد وابن المنذر.