وفتح الياء من (إِنِّي أَعْلَنْتُ)(١) ، الحرميون وأبو عمرو ، وأسكنها الباقون.
قوله : (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) ، أي : سلوه المغفرة لذنوبكم بإخلاص الإيمان (إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً) وهذا منه ـ تعالى ـ ترغيب في التوبة ، لقوله عليه الصلاة والسلام : «الاستغفار ممحاة للذنوب».
قوله : (يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً). أي : يرسل ماء السماء ، ففيه إضمار.
وقيل : السماء : المطر ، أي يرسل المطر ؛ قال الشاعر : [الوافر]
٤٨٧٨ ـ إذا نزل السّماء بأرض قوم |
|
رعيناه وإن كانوا غضابا (٢) |
و «مدرارا» يجوز أن يكون حالا من «السّماء». ولم يؤنث ؛ لأن «مفعالا» لا يؤنث ، تقول : «امرأة مئناث ، ومذكار» ولا يؤنث بالتاء إلا نادرا ، وحينئذ يستوي فيه المذكر والمؤنث ، فتقول رجل مخدامة ، ومطرابة ، وامرأة مخدامة ومطرابة ، وأن يكون نعتا لمصدر محذوف ، أي : إرسالا مدرارا. وتقدم الكلام عليه في الأنعام (٣).
وجزم «يرسل» جوابا للأمر ، و «مدرارا» ذا غيث كثير.
فصل في حكاية قوم نوح
قال مقاتل : لما كذّبوا نوحا ـ عليه الصلاة والسلام ـ زمانا طويلا حبس الله عنهم المطر ، وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة ، فهلكت مواشيهم وزروعهم فصاروا إلى نوح ـ عليه الصلاة والسلام ـ واستغاثوا به ، فقال : (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً) ، أي : لمن أناب إليه ، ثم رغبهم في الإيمان فقال : (يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً)(٤).
قال قتادة : علم نبيّ الله أنهم أهل حرص على الدنيا ، فقال : هلموا إلى طاعة الله ، فإنّ في طاعة الله درك الدنيا والآخرة (٥).
فصل في استنزال الرزق بالاستغفار
في هذه الآية والتي قبلها في «هود» دليل على أنّ الاستغفار يستنزل به الرزق والأمطار قال الشعبيّ : خرج عمر يستسقي فلم يزد على الاستغفار حتى رجع فأمطروا فقالوا : ما رأيناك استسقيت فقال : لقد استسقيت بمجاديح السماء التي يستنزل بها المطر ، ثم قرأ : (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ عَلَيْكُمْ مِدْراراً).
__________________
(١) ينظر : القرطبي (١٨ / ١٩٥)
(٢) تقدم.
(٣) آية رقم ٦.
(٤) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٨ / ١٩٥).
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٢٤٩) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٢٤) وعزاه إلى عبد بن حميد وابن المنذر.