ونقل القرطبيّ (١) عن القشيري أنه قال : هذه الآية تدل على عذاب القبر ، ومنكروه يقولون : صاروا مستحقين دخول النار ، أو عرض عليهم أماكنهم من النار ، كقوله تعالى : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا).
وقيل : أشار إلى ما في الخبر من قوله : «البحر نار في نار».
وروى أبو روق عن الضحاك في قوله تعالى : (أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً) ، قال : يعني عذبوا بالنار في الدنيا في حالة واحدة ، كانوا يغرقون في جانب ويحترقون في الماء من جانب (٢). ذكره الثعلبي.
وأنشد ابن الأنباري : [البسيط]
٤٨٩١ ـ الخلق مجتمع طورا ومفترق |
|
والحادثات فنون ذات أطوار |
لا تعجبنّ لأضداد قد اجتمعت |
|
فالله يجمع بين الماء والنّار (٣) |
قال المعربون : «فأدخلوا» يجوز أن يكون من التعبير عن المستقبل بالماضي ، لتحقق وقوعه كقوله : (أَتى أَمْرُ اللهِ) [النحل : ١] ، وأن يكون على بابه ، والمراد عرضهم على النّار في قبورهم كقوله في آل فرعون : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا) [غافر : ٤٦].
قوله : (فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً) ، أي : من يدفع عنهم العذاب ، وهذا يدل على أنهم إنما عبدوا تلك الأصنام لتدفع عنهم الآفات ، وتجلب المنافع إليهم فلما جاءهم العذاب لم ينتفعوا بتلك الأصنام ، ولم يدفعوا عنهم العذاب وهو كقوله تعالى : (أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا) [الأنبياء : ٤٣].
(وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً).
قال الزمخشريّ : «ديّارا» من الأسماء المستعملة في النفي العام ، يقال : ما بالدار ديار وديور ، كقيّام وقيّوم ، وهو «فيعال» من الدارة أصله : «ديوار» ففعل به ما فعل بأصل «سيّد وميّت» ولو كان «فعّالا» لكان «دوّارا» انتهى.
يعني أنه كان ينبغي أن تصح واوه ولا تقلب ياء ، وهذا نظير ما تقدم له من البحث في «متحيّز» وأن أصله : «متحيوز» لا «متفعّل» إذ كان يلزم أن يكون «متحوّزا» لأنه من «الحوز». ويقال فيه أيضا : «دوّار» نحو «قيّام وقوّام».
وقال مكيّ : وأصله «ديوار» ثم أدغموا الواو في الياء مثل «ميّت» أصله «ميوت» ثم أدغموا الثاني في الأول ، ويجوز أن يكون أبدلوا من الواو ياء ، ثم أدغموا الياء الأولى في الثانية.
__________________
(١) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ١٨ / ٢٠١.
(٢) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٨ / ٢٠١).
(٣) ينظر القرطبي ١٨ / ٢٠١.