قال شهاب الدين (١) : قوله أدغموا الثاني في الأول ، هذا لا يجوز ؛ إذ القاعدة المستقرة في المتقاربين قلب الأول لا الثاني ، ولا يجوز العكس إلا شذوذا أو لضرورة صناعية ، أما الشذوذ فكقوله : (وَادَّكَرَ) [يوسف : ٤٥] بالذال المعجمة ، و (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [القمر : ١٥] بالذال المعجمة أيضا وأما الضرورة الصناعية فنحو : امدح هذا ، لا تقلب الهاء حاء ، لئلا يدغم الأقوى في الأضعف وهذا يعرفه من عانى التصريف ، والديار : نازل الدار ، يقال : ما بالدار ديار ، وقيل : الديار صاحب الدار.
وقال البغويّ : «الدّيار يعني أحدا يدور في الأرض ، فيذهب ويجيء «فعّال» من الدوران».
فصل في دعاء نوح على قومه
لما أيس نوح ـ عليه الصلاة والسلام ـ من أتباعهم إياه دعا عليهم.
قال قتادة : دعا عليهم بعد أن أوحى الله إليه (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) [هود : ٣٦] ، فأجاب الله دعوته وأغرق أمته ، وهذا كقول النبي صلىاللهعليهوسلم : «اللهمّ منزل الكتاب هازم الأحزاب ، اهزمهم وزلزلهم» (٢).
وقيل : سبب دعائه أنّ رجلا من قومه حمل ولدا صغيرا على كتفه فمرّ بنوح ، فقال : احذر هذا فإنه يضلك ، فقال : يا أبت ، أنزلني فأنزله فرماه فشجّه ، فحينئذ غضب ودعا عليهم.
وقال محمد بن كعب ومقاتل والربيع وعطية وابن زيد : إنّما قال هذا ، حين أخرج الله كلّ مؤمن من أصلابهم وأرحام نسائهم ، وأعقم أرحام أمهاتهم وأيبس أصلاب رجالهم قبل العذاب بأربعين سنة (٣) ، وقيل : بسبعين سنة ، فأخبر الله نوحا أنهم لا يؤمنون ، ولا يلدون مؤمنا كما قال تعالى : (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) [هود : ٣٦] ، فحينئذ دعا عليهم نوح ، فأجاب الله دعاء فأهلكهم كلّهم ، ولم يكن فيهم صبي وقت العذاب ، لأن الله تعالى قال : (وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ) [الفرقان : ٣٧]. ولم يوجد التكذيب من الأطفال.
فصل في بيان أنه لا يدعى على كافر معين
قال ابن العربي : دعا نوح على الكافرين أجمعين ودعا النبي صلىاللهعليهوسلم على من تحزب على المؤمنين وألّب عليهم ، وكان هذا أصلا في الدعاء على الكافرين في الجملة فأمّا
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٦ / ٣٨٧.
(٢) تقدم.
(٣) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٨ / ٢٠١).